Wednesday, February 2, 2011

   القديسة مستريديا التي من اورشليم .
 شباط
    عندما اصرّ الشاب الغبي على تحديه لفضيلتها ، ادركت هذه العظيمة ان عليها ان تغير سيرتها بالكلية كي لا تسيء الى الله بالاثام والخطايا . وعلى الفور ، لم تتردد .
 لما كانت الشجاعة مستريديا التي من اورشليم، على نقاوة داخلية عظيمة ، واخلاق لا عيب فيها ، كان بمقدورها ان تقولب حياته وسيرتها بحيث تبقى على الدوام بعيدة عن كل خطيئة او عيب ، امام الله القدير . وقد تمكنت من ذلك ، عندما غادرت المدينة لتقيم على الدوام في براري الارض المقدسة .
            وحدث في السنوات الاخيرة من القرن السابع للميلاد ، وفي عهد الامبراطور البيزنطي موريكوس ، ان اكتشفت هذه البتول النقية الورعة ان صديقا كان ينظر اليها بشهوة ، فسارعت على الفور الى ابلاغه ان مساعيه ومحاولاته غير لائقة ، لابل انها مهينة لها في الصميم . ورجته ان يضبط احاسيسه ، ويتركها بسلام تتابع حياتها وتأملاتها الروحية مع الرب .
            ولكن لخيبتها وحزنها ، تابع هذا الشاب العنيد محاولاته منجديد ، وبسبل ماجنة . في النهاية ادركت هذه القديسة انها لم يكن امامها من بد . فلكي تحفظ نفسها ، وتحفظه هو ايضا ، من الوقوع في الخطيئة ضد مشيئة الله ، جمعت اغراضها وانطلقت الى البرية بعد ان عبرت الاردن .
            غادرت الى البرية بثيابها فقط . وكان بحوزتها حقيبة من جلد جعلت فيها حبات الفاصوليا الرطبة . لم تكن لتخشى الذئاب الضارية التي كانت على الدوام تنبح في الجبال المحيطة بها ، ولم تكن لتبالي بما قد يحصل عند
نفاد الطعام ، بل انطلقت هائمة على وجهها نحو المجهول . ولأنها كانت شديدة الثقة بالله الذي كانت تعبده ليلا ونهارا ، فقد اعطاها الله النعمة ان تواجه كل الاخطار المحدقة بها بابتسامة .
  لم تكن القديسة مستريدبا تمتلك مالا او مقتنيات ، ومع ذلك بقيت على قيد الحياة طيلة سبعة عشر عاما وهي تطوف البراري والوهاد ناسكة تجد مسرتها وفرحها وسلامها في التخلي الكلي عن ملذات هذا العالم الساقط ، كي تحظى بقبس من الاتي . ويوما بعد يوما كانت تفرح وهي تطوف البطاح والبراري لأنهاافلتت من هجمات عاشقها المجنون .
            ظلت على قيد الحياة تحت شمس الصحراء اللاهبة ، منشغلة بانجيل ربنا يسوع المسيح وشاهدة على الرؤى الروحية العزيزة جدا على جميع اباء الكنيسة القديسين والمحبوبين .
            ولئن كانت محفوظات الكنيسة الاولى تحوي تقارير محدودة عن ناسكات اثرن العيش في البرية ، فان قصة ما حدث لمستريديا القديسة ، تظهر بجلاء ان الحياة في النسك والفضيلة لم تكن شأن الذكور المتأملين ، فحسب ، وفي الحقيقة فان عاداتها النسكية ، ونكران الذات ، والتشدد  ضد الذات ، شغلت الرجال ايبضا الامر الذي الهم كثيرين من اباء الكنيسة القديسين على مر السنين كي يتذكروا مقطعا من رسالة بولس الرسول الى اهل غلاطية : "لا يهودي ولا يوناني ، لا عبد ولا حر ، لا ذكر ولا انثى ، لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع . " ( غلا 3 : 28 ) .
             وبينما كان الرسول الالهي يشير الى ان الفروقات بين الجنسين لا علاقة لها بما يشاؤه الله ، ويريده لكل واحد منا ، لاحظ التالي في الرسالة الى اهل افسس : هناك جسد واحد وروح واحدة كما انكم دعيتم الى رجاء دعوتكم الواحد : رب واحد ، ايمان واحد ، معمودية واحدة ، اله واحد اب للجميع ، وفوق الجميع ، وبالجميع ، وفي جميعكم . " ( افسس 4 : 4 – 6 ) .
            كانت هذه الشابة الشجاعة مطيعة لله من البداية وحتى النهاية ، عفيفة ، وقد امضت السنين في الانقطاع والتوحد ، وهي تتطلع الى الختن السماوي الذي اثرته على جميع الرجال الفانين ، وتتطلع الى الغبطة التي كانت ترجو ان تذوقها معه في نهاية الازمنة .
            ومع تحول الاسابيع الى شهور ، والشهور الى سنين ، فان هذه الناسكة المتجولة، ذهلت عندما وجدت ان ثيابها التي خرجت بها من العالم ، ما تزال على حالها رغم الغبار والحر والمطر . وبعد سبعة عشر عاما من التطواف في الجبال والبراري ، في وضح النهار ، وافتراش الارض  للنوم ، ظلت ثيابها كما كانت .
            والجدير ذكره ان سلة الفاصوليا التي خرجت بها الى البرية ، لايبدو عليها اي نقص ، ففي حطها وترحالها كانت تمد يدها اليها لتأخذ بضعة حبات من الطعام الوحيد الذي كان عندها عندما غادرت اورشليم . لكن الله بمحبته وحنانه ، لم يسمح لأمته ان تجوع في رحلاتها الكثيرة في براري فلسطين .
            وبعد جهادات كثيرة عزيزة على قلوب الاباء القديسين ، مضت امنا القديسة مستريديا الاورشليمية الى راحتها سنة 580 م في عهد الامبراطور تيبريوس . ورغم صعوباتها الكثيرة وتعبها وكل ما ذاقته في حطها وترحالها ، حافظت هذه القديسة على نذور العفة وفية وامينة لربنا يسوع المسيح الذي كان شغلها الوحيد طوال حياتها .
            لقد بينت هذه القديسة العظيمة ان حياة ناسكة في البرية يمكن ان تعاش بأمانة وصلاة ، كذلك يمكن ان يعيشها رجل ناسك ايضا . القديسة مستريديا تذكرنا بما قاله الرسول بولس الذي علمنا ان لا ذكر ولا انثى ، الكل واحد في المسيح  ( غلا 3 : 28 ) وان الله ابونا جميعا ، ولايهمه جنس المكرسين، بل نوعية نفوسهم