Tuesday, January 25, 2011

الاسم :القديس مار افرام السريانيالولادة: 306الوفاة: 373القرن: القرن الرابع
ܡܪܝ ܐܦܪܝܡ ܣܘܪܝܝܐ 
القديس مار افرام وجه حضاري كبير ومشرق للكنائس الناطقة بالسريانية ،وللكنيسة الجامعة .فالتراث الديني الوافر ،الذي خلفه في مجالات الطقوس واللاهوت والتصوف والروحانيات ،يؤلف كنزاً فريداً نعود إليه ،لما يحتويه من روح عميقة وأصالة ناصعة ،لا سيما في عصرنا ،حيث الكل يبحث عن هويته وخصوصيته القومية والفكرية .

حياته :
كانت نصيبين أيام أفرام ،مدينة حدودية من الدرجة الأولى ،تخضع لسيطرة الفرس الساسانيين تارة والرومان تارة .ومنذ أن أبرمت بينهما معاهدة الصلح سنة 297 ،جعلت نصيبين مركزا للتبادل التجاري .وهذا الوضع المتميز شجع الحركة الثقافية ،فالتقت حضارة ما بين النهرين بالتيارات الفكرية اليونانية ،كما كانت ملتقى للأديان.فكان فيها ،فرق وثنية متأصلة ،وجالية يهودية .هناك العديد من تراجم حياة افرام ،منها القديم ومنها الحديث ،ومعظمها مشحون بالتناقضات والأساطير ،إلا أن النقد العلمي الدقيق توصل إلى معلومات أكيدة مقتبسة من كتابات افرام ،ومن تمحيص وغربلة النصوص التاريخية القديمة .بموجبها يكون قد أبصر افرام النور في مدينة نصيبين نحو سنة306 من والدين مسيحيين ((إني ولدت في طريق الحق ،ولو إن صباي لم يحس بذلك))(ضد البدع 26/10 )،وليس من أم مسيحية ديار بكرية وأب كاهن للصنم ابيزال كما يقال عادة(1).
تتلمذ ليعقوب أسقف نصيبين ،ونال منه العماد وعمره ثمانية عشر عاما،حسبما كانت تقتضيه التقاليد
الكنسية آنذاك .لم يكن افرام راهبا ناسكا بالمعنى الحصري المألوف ،إنما كان منتميا إلى جماعة العهد المنتشرين في ما بين النهرين ،المندمجين في النشاطات الراعوية.وإذ توسم فيه يعقوب ،أسقف المدينة ،توقد الذهن والتقوى والغيرة،رسمه شماسا إنجيليا دائميا(ضد البدع56/10 ).وعهد إليه التعليم الديني في مدرسة نصيبين ،ومن هنا أتاه اللقب الشارح والمرب.

راح افرام في المدرسة وخارجها يعّد البالغين ((الموعوظين))لاقتبال العماد ،شارحا لهم بأسلوب مشوق ومباشر حقائق الإيمان وقواعد الأخلاق المسيحية .وظل في مهمته حتى بعد وفاة يعقوب أي في زمن خلفائه بابو(338 ـ 343)،وولغاش (343 ـ 361 )،وابراهيم (361 ).وعندما غزا شابور الثاني مدينة نصيبين عام 363 وسقطت في يده ،غادرها افرام مع جمع غفير إلى الرها القريبة ،والتي كانت تحت سيطرة الرومان ،وكانت مركزا مسيحياً وثقافيا مهما .

في الرها اتبع مع المعلمين اللاجئين أسسا جديدة للتدريس بسبب الظروف التي صادفوها هناك .ففي هذه الفترة كان اتباع آريوس ومرقيون وماني والغنوصية وتلاميذ برديصان يُعيثون فساداً،وتستغل الجالية اليهودية الوضع لصالحها .فأخذ افرام ومعاونوه على أنفسهم مهمة الذود عن الإيمان القويم .وهذا الطابع الدفاعي ،الهجومي نستشفه من قراءتنا لميامره .
في الرها ألف ،ربما لأول مرة في تاريخ المسيحية ،جوقة ترتيل مؤلفة من الفتيات ((العذارى))علمهن خدمة الطقوس وتأدية التراتيل الشجية التي كان يكتبها ويضمنها حقائق الإيمان والآداب ،وكثير من هذه التراتيل لا يزال مستعملا في الكنائس الناطقة بالسريانية اثناء صلواتها الرسمية .يقول افرام:
((لقد لبستن المجد في الماء مثل إخوتكن ،ومعهم،من نفس الكأس قد نلتن الحياة الجديدة ،ونفس الخلاص حصل لكن ولهم،فلماذا لا تتعلمن أن تمجدن بصوت عال؟))
عندما حلت المجاعة بأهالي الرها عام372 ـ 373 إنبرى أفرام الشماس يدير عملية جمع المعونات لإسعاف المعوزين .فراح هو وتلاميذه يوزعون الطعام والثياب على الفقراء ،ويجدون مأوى للمشردين
وبسبب المجاعة الشديدة والبرد القارص انتشر مرض الطاعون في المنطقة .فأودى بحياة العديدين من ابناء المدينة ،واهتم افرام بأمر دفنهم في مقبرة الغرباء ،الكائنة في ظاهرها .وعلى أثر التعب والسهر تمرض افرام ومات في 9 حزيران373 .وقد أعلنه البابا بندكتس الخامس عشر في 5/10/1920 ملفان الكنيسة الجامعة .
لقد حيكت ،حول حياة افرام ،قصص وأمور نادرة ،بغية ابراز مكانته وشهرته،ينبغي تصنيفها أجناسا
أدبية "Literary Genre ".فلكي يعبر كاتب قديم عن قداسة بطله ،يجعله يجتاز تجربة أخلاقية عنيفة،ولإظهار شهرته وسعة علمه،يجعله يسافر ويلتقي بمشاهير رجال العلم والتقوى في زمانه .هذا الأسلوب كان مألوفا عند المؤرخين القدامى ،وحول هاتين النقطتين الرئيسيتين:القداسة والشهرة تدور معظم هذه القصص التي تعود في اعتقادي إلى القرنين الخامس والسادس .
تروي هذه القصص إن قيم الكنيسة المدعو أفرام ،اقترف منكرا مع إحدى الفتيات ،وانجبت منه
طفلا ،فنسبت الأمر إلى افرام الشماس .ولكن القديس أخذ الطفل إلى الكنيسة ،اثناء الصلاة واستحلفه أمام الجميع بأن يعلن من هو أبوه ،فما كان من الصبي سوى أن يصرخ:أبي هو افرام قيم الكنيسة .وهكذا ظهرت الحقيقة وعلا شأن مار افرام .وهناك قصص أخرى تدور حول نفس المحور.
ولإبراز شهرته وبيان مكانته الدينية ،تجعله هذه القصص يحضر مجمع نيقية المنعقد سنة325 برفقة يعقوب أسقف نصيبين .ويلتقي بالقديس باسيليوس أسقف قيصرية كبدوكيا(330 ـ379 ).
كذلك قضية سفره إلى مصر ،وزيارته لبيشوي أحد اقطاب الرهبنة المصرية ،ترمي هي الأخرى إلى تثبيته راهباً ،ناسكاً ومتصوفاً،في حين نعلم أن الحركة الرهبانية ،بشكلها الحصري والنظامي الموحد في كنيسة المشرق ،تعود إلى القرن السادس ـ السابع.
مهما كان الأمر ،فإن افرام ،طوال خمسين سنة،خدم الكنيسة السريانية واعظاً ومعلماً ومنشّطاً للطقوس وأدبياً غزير المادة ،وشاهداً صادقاً لكنيسته القريبة من أصولها السامية الصافية.
تآليفه :
ترك لنا افرام مؤلفات عديدة ،شُبّهت ببحر كبير يعسر البلوغ إلى حافاته .يقول القديس هيرونيمس (+430 ): ((أفرام شماس كنيسة الرها ،ألّف كتباً مثيرة في اللغة السريانية ،وقد بلغ من الشهرة والتوقير أن بعض الكنائس تتلو ما كتبه على الشعب ،في الكنائس بعد تلاوة منتخبات من الأسفار المقدسة ،وقد طالعت في اليونانية كتابه في الروح القدس مترجماً عن السريانية ،ووجدت فيه قمة الذكاء السامي في الترجمة أيضا (كتاب الرجال المشاهير115 ).
إن عادة اسناد نصوص مكتوبة إلى كتاب مشاهير كانت عادة جارية في العصور القديمة ،لذا نسبت إلى افرام نصوص دينية كثيرة ،ولا نذكر من مصنّفاته إلا ما أثبته النقد العلمي ،ونُشر بطريقة رصينة دقيقة .
تُقسم مؤلفات أفرام إلى منثورة ومنظومة .المنثورة عبارة عن تفاسير لمختلف أسفار الكتاب المقدس:
فله تفسير لسفر التكوين والخروج والأناجيل الموحدة ((دياطسرون))وأعمال الرسل ورسائل بولس ،
وقد قام بنشرها ريمون تونوولويس للوار واكينيان .أما المنظومة فهي:
1-الميامر: وهي مواعظ شعرية على بحر واحد ،تتناول العقيدة والأخلاق المسيحية .وقد نشر قسماً كبيراً منها المستشرق ادموند بيك في ((مجموعة الكتبة المسيحيين الشرقيينCSCO )) في لوفان ،بنصها السرياني مع ترجمة المانية أو لاتينية:الجزء الأول رقم305/306 سنة 1970،والجزء الثاني رقم311/312 سنة 1970 ،الجزء الثالث رقم 320/321 سنة1972 ،الجزء الرابع رقم 334/335 سنة 1973 ،وميامر في أسبوع الآلام رقم412/413 سنة 1979 وكان قد نشر ميامر عن الإيمان رقم 212/213 سنة 1961 ،وميامر في ربنا رقم 270/271 سنة1966 ،ونشر كرافن ميامر في المائدة في الشرق السرياني عدد 4 سنة 1959 .
وميامر في نيقوديمس نشره ش .رينو في الباترولوجيا الشرقية مجلد 37 جزء 2 سنة1975 .
2-المداريش :وهي ترانيم منظومة على أوزان الشعر المختلفة ،وملحّنة.فهي أشبه بموشّحات روحية من أناشيد عادية ،وتدور حول مواضيع كتابية وإيمانية وأخلاقية،وكانت جوقته الكنسية تنشد معظمها خلال الرتب الدينية والاحتفالات.
درس هذه الترانيم أدموند بيك في سلسلة ((مجموعة الكتبة المسيحيين الشرقيين))وهي على الترتيب التالي: الإيمان رقم154/155 سنة1955 ،ضد البدع رقم 169/170 سنة1957 ،والفردوس وضد جوليان رقم 174/175 سنة 1957.ترجم هذه الأناشيد إلى العربية الاب روفائيل مطر بعنوان: ((منظومة الفردوس ))،الكسليك1980 ضمن سلسلة أقدم النصوص المسيحية ،كما هناك ترجمة للمطران كوركيس كرمو ((أناشيد الفردوس))بغداد 1989،الميلاد والدنح رقم 186/187 سنة 1959 ،الكنيسة198/199 سنة1960 ،ترانيم نصيبينية رقم 218/219 سنة1961 ورقم240/241 سنة1963 ،البتولية223/224 سنة 1962 .وكان كرافن قد نشر قسماً منها في الشرق السرياني عدد 6 سنة 1961،الصوم رقم246/247 سنة 1964 و الفصح 248/249 سنة 1964
وقد ترجم الأب يشوع الخوري أناشيد الميلاد ،ونشرها مع نصّها السرياني ،الكسليك 1994 ،وكان قد نشر ((مختارات من أناشيد افرام))بيروت 1973 .نشر السمعاني وبيكل وموريس ولامي والرحماني واخرون جانباً كبيراً من كتابات افرام ،إلا إنها طبعات غير علمية.
لأفرام مؤلفات أخرى غير مثبتة في مخطوطات مكتبات لندن وبرلين وباريس والفاتيكان وغيرها .

أسلوبه :
أسلوب أفرام بسيط ومباشر ،ولغته صافية من الألفاظ اليونانية ،تفسيره لأسفار الكتاب المقدس قريب من الاتجاه الرابيني ،أي يأخذ بالمعنى الحرفي لينطلق إلى التطبيقات في الحياة اليومية .لذا يستخدم كثيراً أسلوب الرموز والصور والمقارنات.لاهوته بعيد عن المناظرات اللاهوتية ،وتستولي على القارئ الدهشة أمام غنى حساسية أفرام ،مثل سائر آباء الكنيسة ،بمدى حاجة المسيحيين،بكافة مستوياتهم ،
إلى تعليم رصين ومتين ،وإن مستقبلهم يتوقف أساساً على نوعية ثقافتهم،وجدّية عيشهم إيمانهم ،وقد
قام بهذه المهمة بثلاث طرق واضعاً مواهبه في خدمتهم :
1-الموعظة :وكانت أنجح وسيلة للتعليم والتأثير ،إذ كان المؤمنون يفدون إلى الكنيسة ،لا فقط ليصلّوا وإنما ليتعلّموا بعض الشيء عن إيمانهم وسبل عيشه، فراح أفرام يعطيهم دروساً في الصلاة وفي تأويل نصوص الكتاب المقدس ،والغالبية لا تملك نسخة منه ،ويشرح لهم عقيدة إيمانية أو عيداً دينياً أو يدحض تعليماً يراه غير سليم ،ويحذّرهم بشدة من المشاركة في احتفالات الوثنيين وسماع أساطيرهم.
2-تعليم الموعوظين:ما عدا الموعظة ،كانت وظيفته كشماس:تعليم الكبار المهتدين إلى المسيحية ،
واعدادهم لنيل العماد .وكان هذا النوع من التعليم يتطلّب مقدرة فريدة وسرعة بديهة،إذ أن هؤلاء المهتدين كانوا يحملون خلفيات دينية وفكرية مختلفة ،وكان عليه أن يجيب على جميع أسئلتهم.
3-مدرسة الرها :انصب اهتمام افرام على إعطاء طلاب المدرسة التي أسسها أولا في نصيبين ثم في الرها ،ثقافة عميقة .وقد أعطت المدرستان كنيسة ما بين النهرين كبار قادتها ومفكريها .

أطروحاته اللاهوتية :
هذا الاهتمام المتنوع بالتعليم الديني جعل لاهوت افرام عقائدياً ـ راعوياً .أما المواضيع الرئيسة التي تناولها ،فهي:وحدانية الله ،الثالوث الأقدس ،المسيح،مريم،الكنيسة وأسرارها،قيامة الأموات ،الخطيئة ،
الآداب المسيحية .وبالإمكان تأليف كتاب كامل عن كل موضوع من هذه المواضيع التي عالجها افرام
ولضيق المجال نعرض بإيجاز أهمها :
1-وحدانية الله والثالوث يدافع افرام عن وحدانية الله ،ويرفض بشدة وجود إلهين أو أكثر على طريقة المانويين والوثنيين.
((لم يكرز المسيح ولم يعلم إلا بوجود إله واحد ،ولا يوجد كما يزعم مرقيون،إله عادل وآخر رحوم
لا يوجد سوى إله واحد أحد هو في آن معاً عادل ورحوم))(دياطسرون11،13؛11،23؛14،9؛15،6).
ولتحديد وحدانية الله يستعمل افرام لفظة الكائن الواجب الوجود ضد نظرية الكائنات الإلهية والعناصر عند الغنوصيين :الكائن واحد هو قد خلق كل شيء : ((داود لم يسّمِ الكائنات لأن الكائن واحد هو ،ولأن اسم الكائن يبطل اسماءها ((ضد البدع53/7 )،((الكائن واحد إسما وطبيعة))(ضد البدع53/9 )وهو الذي أوجد الكائنات (ضد البدع 53/10 )ولكن((إن الجوهر الواحد الذي لا يتغير ،بمحبته يقبل التغيير))(البتولية27/11 ).
نعرفه من خلال خليقته ((فالسماء والأرض وكل ما فيهما دلائل على وجود الخالق ونعمته ،كذلك الفردوس ينادي بأنه وهبه مجاناً(الكنيسة 48/10)،((الطبيعة والكتاب..شاهدان ممتدان… إلى كل مكان ،حاضران في آن ،يؤنبان الكافر الذي ينكر الخالق))(الفردوس 5/2 ).
إن افرام ،عندما يتكلم عن الله ،لا ينطلق من البراهين الفلسفية ،بل من خبرته الإيمانية وخبرة كنيسته لذا يؤكد بأن سر الله لا يمكن كشفه كشفا تاما إلا بواسطة الوحي.أما عن الثالوث الأقدس ،فيذكر صراحة التعبير الانجيلي ((الآب والابن والروح القدس )).والذي يقصده بالثالوث ليست ثلاثة آلهة مستقلة بل ((تعلمت وآمنت إنك واحد في وجودك ،سمعت وتحققت أنك الآب بوحيدك ،ونلت المعمودية بالثالوث باسم الروح القدس ))(ضد البدع 3/12 )،((ها هي ذي اسماء الآب والابن والروح القدس ،إنها علامة المسيحي ))(ضد البدع 27/3 ).
ويستخدم أفرام مثل الشمس ،المألوف لدى الآباء لإيضاح ذلك:القرص والحرارة والضوء هي ثلاث حقائق متميزة ،ولكن غير منفصلة من ذات الشمس (ضد البدع نشيد 4 والبتولية 52/3 ـ 4 ).
ولو صح القول وسمينا الأقاليم ثلاث طرق وجود ،أو ثلاثة اسماء لله الواحد،لما خنا فكرة افرام
(طالع ضد البدع3/4 ،51/7 ).يؤكد بأن الابن ((الكلمة))مساو للآب وليس أصغر منه ،وكذلك الروح القدس يسميه أحياناً ((روح يسوع ))،لربما لأنه يواصل حضوره بين الجماعة (الكنيسة).
2-مسيحانيته 
لم يلجأ افرام إلى استعمال الألفاظ الفلسفية لشرح مسيحانيته لمستمعيه ،بل ظل في نفس الخط المعتدل الذي سلكه كتاب ((العهد الجديد)).فهو يؤكد بأن نصوص الإنجيل تظهر جليا المسيح التاريخي الكامل وليس مسيحا مجزءاً :إله من جهة وإنسان من جهة أخرى. ((هكذا في قانا(يوحنا2/1 ـ 12 )المسيح مدعو إلى حفلة الزفاف مع الآخرين وبنفس العنوان ،لأنه ظاهريا مثلهم ،
إلا أن المعجزة التي اجترحها ..برهنت على قوة الله (الحاضرة )فيه))(دياطسرون ارمني4/10 ).
المسيح في قناعة أفرام إنسان وإله في الوقت ذاته: ((لقد تاه العقل في أمرك أيها الغني ففي لاهوتك غوامض كثيرة ،وفي ناسوتك ظواهر فقيرة .فمن يسبر غورك أيها البحر الكبير الذي صغّر ذاته .
إن جئنا نراك إلها ،فها أنت إنسان ،وإن جئنا نراك إنسانا فها قد شعت علامة لاهوتك.فمن يقف على تغييراتك أيها الثابت ))(الميلاد 13/8 ـ9 ).

يؤكد أفرام على إنسانية المسيح الملموسة أمام المظهريين الذين كانوا ينكرون حقيقة جسد المسيح ،وكانوا يزعمون إنه مجرد خيال ((شبه لهم )).فبالنسبة إليه ،يسوع إنسان حقيقي مرتبط بوطن معين وقبيلة معروفة وأمه مريم وأبوه يوسف ،وكلاهما منتميان إلى قبيلة يهوذا (دياطسرون ارمني1/25 ).ولم يخف المسيح إنسانيته ولم ينكرها ،فقد ولد وله جسد ،واعتمد وجاع وعطش وتعب وبكى وتألم ومات (دياطسرون20/4 )،((لقد انحدر ولبس جسداً ضعيفاً))(الإيمان 29/2 ).((لقد مكث على الأرض ثلاثين سنة ،بالفقر ،لننشد له ،يا إخوتي أناشيد التسبيح على أنواعها لأنه ربنا (الميلاد18/4 )،((لقد أسلم ـ الله ـ إبنه عنا حتى نؤمن به ،لأن جسده بيننا وحقيقته عندنا ،جاء يهبنا مقاليد الفردوس))(الفردوس7/1 ).
بما أن المسيح هو كلمة الله ،فهو صورة الآب الحقة ومسار له ومولود منه ،وليس له من مشيئة أخرى سوى مشيئة الآب (الكنيسة27/9 )وهو وحده قادر على كشفه: ((بما أن المسيح هو ابن الله فهو وحده قادر أن يظهر لنا الآب))(دياطسرون ارمني8/1 ).وعن عمله يقول((ادخل الكل في المسيح الداخل كما كان قد خرج الكل بآدم الخارج))(الفصح 17/10 ).
ومن بين الألقاب الكثيرة التي يطلقها مار أفرام على المسيح ،والتي تعكس حياته وتعليمه ،نذكر:
الرب الطبيب،المعلم ،الراعي ،النبي ،الكاهن ،والملك.ويتوقف بارتياح على لقب الملك ،مظهراً نوعية ملكه الروحي ،وشموليته .(دياطسرون ارمني3 ،9 /4 ،14/16 ).
3-مريم أم المسيح وأمنا
ركز أفرام على دور مريم ،والدة المخلص ،حواء الجديدة ،البتول ،تابوت العهد،العروس… فجاءت الأناشيد التي خصها بها كثيرة ،يعبر فيها عن تعلقه واحترامه العميق لها ،لذلك عدّ بحق شاعرها .
خط افرام معتدل وبسيط وقلما نجد مغالاة ،فدور مريم لا يتخطى الدور الذي يذكره الإنجيل .فهو مثل سابقيه ،لا يعرف مصطلح ((والدة الله))الذي استعمله الاسكندريون ،منذ القرن الرابع ،وتبناه مجمع افسس عام431 ،إنما يسميها مباشرة((أم المسيح))وهذه التسمية لا تنقص من قيمتها ولا تنفي أن مولودها هو ابن الله. ((كوني عذراء ـ تقول مريم للمجوس ـ أنجبت إبنا هو ابن الله ،فاذهبوا وبشروا به ))(بيك ،سوغيثا 4/46 ).
في نظره ،الحبل بيسوع عجائبي ،ومريم بقيت عذراء بعد الولادة أيضاً: ((كانت مخطوبة حسب الطبيعة ،قبل مجيئك ،وحملت بخلاف الطبيعة بمجيئك ،أيها القدوس ،ومكثت عذراء إذ ولدتك بالقداسة (الميلاد 11/3 ).وهذه اشارة واضحة إلى أصل المسيح الإلهي وإلى بقاء مريم بتولا: ((أمك يارب ،لا يعرف المرء كيف يدعوها .بتولا؟ها هوذا ابنها حاضر .متزوجة؟
لم يمسها رجل .وإن كانت أمك لا تدرك ،فأنت من يقدر أن يدركك ؟.(الميلاد11/1 )((الحشا حملك من دون زواج ،ومن دون زرع البطن ولدك ))(الميلاد 15/6 ).

ينفرد أفرام بجعل الحبل بيسوع قد حصل عن طريق السماع ،لربما لعلاقة البشري بالسمع: ((بأذنها شعرت مريم بالخفي الذي جاءها مع صوت الملاك ،وحلت في أحشاءها القوة التي أتت إلى البشر ،فتسأل الموت والشيطان ما عسى أن يكون شأنه؟))(الكنيسة35/18 )،((مريم في الناصرة ،الأرض العطشى ،حبلت بالسيد عن طريق السمع))(البتولية23/5 ).في كل الأحوال يؤكد الكاتب أن المسيح في الرحم حبل به ومنه ولد (الميلاد1/15؛2/7 )وإنه الولد الوحيد الذي أنجبته ولم يكن لها أن تنجب آخرين ،كونها هيكل الروح القدس (دباطسرون ارمني2/6 ،5/7 ).مريم أم يسوع ،بكر البشرية الجديدة ،هي أمنا ،نحن إخوته الكثيرين ((من أعطى المعوزة أن تحبل وتلد واحدا كُثُراً))(الميلاد 5/9 ).
ومريم ممتلئة نعمة ،وخالية من أي دنس ((أنت ووالدتك فقط تفوقان الجميع جمالا ،فلا عيب فيك ،
يا رب ،ولا دنس في والدتك)).ترانيم نصيبينية(27/8 ).وهذه الصورة يشرحها أفرام من خلال عقده مقارنة متوازية بين حواء ومريم ،عصيان ،خطيئة ،قصاص ،موت ،طاعة ،مكافأة ،نعمة ،حياة ،إنه أسلوب تعليمي يظهر تناقض الحالتين ،ويدعو المؤمن إلى نبذ النموذج الأول ،واتباع النموذج الثاني لكي يحصل على الفرح والسعادة:
((ساذجتان بسيطتان حواء ومريم وضعتا بالمقارنة ....الواحدة علة موتنا والأخرى سبب حياتنا ))(الكنيسة35/1 كذلك البتولية23/9 )
((حواء أذنبت ،ومريم أوفت .فأدت الإبنة دين أمها وبها مزق الصك الذي صار في وجه كل الأجيال))(بيك ،سوغيثا1/26 )
((بعينيها رأت حواء جمال الشجرة ،فأرتسمت في مخيلتها مشورة الغدار،فبالتالي كانت الندامة ))
(الكنيسة35/17 ).
((لبست حواء ببتوليتها أوراق العار ،ولبست أمك ببتوليتها ثوب المجد الذي يكفي الجميع))
(الميلاد17/4 ).
((واضح أن مريم هي أرض النور ،بها استنار العالم وسكانه الذين كانوا قد اظلموا بحواء مصدر كل الشرور ))(الكنيسة37/3 )،((إليه تطلعت حواء ،لأن عري النساء قد عظم ،وهو وحده قادر أن يلبسهن بدلة المجد الذي خسرنه ))(الميلاد1/43 )،والنساء ((يشكرن مريم أمهن على المجد المعطى لهن بواسطتها ))(الميلاد22/23 ).

4-الكنيسة
في الترانيم النصيبينية(13 ـ 21 )التي قرظ فيها أفرام أساقفة نصيبين الذين عاصرهم ،يصف الكنيسة
بجسد المسيح الكبير وبعروسه المحبوبة(17/3 ).وهذه الصورة تدل على مدى الألفة والمحبة القائمتين بين المسيح والمؤمنين به .كنيسة تتسم بالشمولية: ((كنيسة الحقيقي ـ أي المسيح ـ العظيمة،حضنها كبير يكفي لأحتواء العهدين))(ضد البدع2/18 )ويسميها كنيسة الأمم (ضد البدع24/21)
كما يذكر أفرام صفات الكنيسة الأساسية :
واحدة ،مقدسة،رسولية،ويشير بوضوح إلى الخدم الكهنوتية الثلاث الأسقفية والكهنوت ـ لا يميز أحيانا بينهما ـ والشماسية ،كما يثني على خدمة العذارى المكرسات ،ربما لأنهن كن شماسات(21/5) الأسقف هو السلطة العليا في الجماعة(الكنيسة)المحلية ،وهو قائدها ورأسها ،فهو مثل يسوع ((الحبر الأعظم))(ترانيم33/6 ).
وهو صورة حية لرعيته: ((حسبما يكون الأسقف ،هكذا تكون رعيته))(19/2 )،((على الأسقف أن يكون أخا للكهنة،مربيا للشمامسة ،معلما للأطفال ،عكازا للشيوخ ،وحصنا للعذارى المكرسات لله))(21/5 ).ومهمته تقوم في التعليم وحفظ النظام وتوجيه وإدارة شؤون جماعته (13/1 ).إلا أنه لا ينبغي أن ينفرد بالقرارات ،بل عليه أن يختار مستشارين له (18/9 ).على الأرجح كان الأسقف محاطا بفريق من الشمامسة والكهنة من أجل تأمين حاجات الجميع من وعظ وتبشير وخدمة الأسرار.
أما العلمانيون فيسميهم أفرام ،أي غير مكرسين لخدمة معينة(الفصح2/9)،واللفظة((علماني))لا ترد عنده البتة ،ولا يوجد فصل فئوي بين الجماعة الواحدة ،كلهم مؤمنون.

قضية وحدة كنيسة المسيح كانت همّه الكبير .فقد كتب مداريش عديدة لاستنارة الذين يسميهم ب((الضالين))وليعود بهم إلى الحظيرة الواحدة: ((يا رب إجعل الوفاق بين الكنائس يتم في زماننا لتكون كنيسة واحدة حقا ،تجمع أبناءها في حضنها ، لترفع الشكر لصلاحك))(الإيمان52/15 )،
((لو كان جميع ابناء النور متحدين في الكنيسة ،لا زال إشعاعهم الموحد ،الظلام بقوة وحدتهم ))
(الإيمان39/2 ).
5-المعمودية 
يرى أفرام ،في عماد يسوع ،أساس عماد المؤمنين وصورته (دياطسرون4/1 ـ 3 ): ((هوذا النار والروح في نهر الأردن ،وها هما في عمادنا أيضاً))(الإيمان10/17 ).الإيمان شرط أساسي للمعمودية ،
وفي بعض الحالات يعوض عن الماء كما في حالة اللص اليمين (لوقا 23/41 ـ 43 )(الإيمان48/1 )،لذا تمنح المعمودية بعد المعرفة التامة بالعقائد الإيمانية وممارستها عند أفرام ،كما في كتاب الديداكي ،يعود العماد إلى الاحتفال الفصحي ،فالصوم الكبير ينهي مرحلة الموعوظين بمنحهم نعمة العماد في سبت النور (البتولية7/2 )،ويترأس الاحتفال عادة الأسقف ،ويتم بالتغطيس ثلاثا باسم الآب والابن والروح القدس ((ها اسماء الآب والابن والروح القدس تتلى على المسحة والعماد))(ضد البدع27/3 )
وكان الكاهن أو الشماس يعمد الذكور البالغين في بيت المعمودية الملاصق للكنيسة ،والشماسة أو إحدى بنات العهد تعمد الاناث ،وكان الجسم كله يغطس في الماء المكرس.توجد مسحة واحدة
(البتولية7/8 )ويسميها علامة المسحة والمعمودية(ضد البدع27/3 )،وختم الروح :
((كذلك ختم الروح الخفي بالزيت يطبع على الأجساد ،يمسحون بالمعمودية ويوسمون))(البتولية7/6 )
((المعمودية السامية ،الجميلة ،الآب وسمها ،والابن خطبها ،والروح ختمها بوسمه الثلاثي))(الدنح2/6)
وهذه المسحة كانت تسبق الغطس (البتولية2/2؛8/2 ).
-يعتبر أفرام العماد ولادة ثانية بعد الولادة الإنسانية ،ومياه المعمودية بمثابة الرحم،وهذا التشبيه نجده عند غالبية الآباء المشارقة: ((تبارك من كثر محاسنكم من مياه المعمودية .صارت المعمودية أما تلد كل يوم روحانيين ،وتقيم اولادا جددا لله بقداسة .تبارك من ولدنا ثانية في حضن العماد ))(الدنح 3/1).
((إن مياه المعمودية هي بمثابة رحم يلد بقوة الروح القدس إنسانا جديدا مقدسا ))(ترانيم نصيبينية27/78،الميلاد 16/11 )،((ترسم فيهم صورة جديدة ،وتلدهم بأسماء مجددة))(البتولية7/5 ).
ومثلما الطفل المولود يرضع حليب أمه غذاء ينميه ويبقيه ،كذلك المعمد يتناول القربان المقدس
((طوبى للمولودين الجدد الذين يتناولون حالا الخبز الكامل بدل الحليب))(البتولية7/8 )
((طوبى لكم أيها الحملان الموسومون بعلامة المسيح لأنكم أصبحتم أهلا لتناول خبزه ودمه ،الراعي أصبح لكم بذاته مرعى))(الدنح3/21 ).
أما عن مفاعيل المعمودية ،فيذكر أفرام :الغفران ،الخلاص ،التطهير(البتولية6/2 ): ((إن الموت ـ الأدبي ـ يزول بالعماد الحقيقي لأن الشخص المعمد في المسيح،يلبس الحي الذي يحيي كل شيء ))(ترانيم نصيبينية 72/14 )،((المسيح شفى الإنسان بشكل شامل لما عمده بالروح القدس ))(ترانيم نصيبينية 46/84 )،((الذي من جسد فاسد ومائت ،يصير بدم المسيح وموته وقيامته ،جسدا حيا ،يحمل عربون الخلود))(ضد البدع17/5 ).

6-الافخارستيا
لم ترد لفظة ((الافخارستيا))في كتابات أفرام،إنما نجد عنده ألفاظاً أخرى تحمل ذات المدلول مثل:دم المسيح،الخبز ،السر ،القربان،الذبيحة.وكل هذه التعابير تشمل الذبيحة والتقدمة والاحتفال (الكنيسة25/14 ).أسسه يسوع نفسه بصفته الحبر الأعظم ،أما الذي يضمن استمراريته في الجماعة (الكنيسة)فهو الروح القدس والكاهن(الإيمان8/8 ، 40/10 ).والغاية من تأسيسه،خلاص الإنسان في وجوده الكامل: ((إن جسده ،بطريقة جديدة ،قد اختلط بجسدنا ،ودمه النقي قد امتزج بدمنا ،
وصوته ولج آذاننا ،وبهاؤه في عيوننا ،هو كله صار بحنانه في وجودنا))(البتولية37/2 ).((خبزه بدون جدل يؤكد قيامتنا .فإذا كان قد بارك الطعام ،فكم بالأحرى يبارك الذين يتناولونه))؟(دياطسرون5/16 ).
ويعتبر أفرام القربان المقدس مرتكز تدبير الخلاص ،لذلك يجد صورا ورموزا له في الكتاب المقدس ،في قرابين الاباء الأولين :هابيل وابراهيم واسحق ويعقوب والفصح اليهودي والخروج وأقوال الأنبياء ،وكذلك في عرس قانا والصيد العجائبي وتكثير الخبزات ،بالنسبة إلى العهد الجديد ((ترانيم نصيبينية 46/11،الإيمان10/10 ،البتولية 33/7 ).وحين يتكلم أفرام عن القربان المقدس ،يمزج النصوص الكتابية بالتقليد الليترجي لكنيسته ،فنجد عنده مثلا المصطلحات الطقسية التي لا نزال نستعملها اليوم في القداس مثل كسر ومزج ورسم:الكسر هو الفعل الذي يتم على الخبز والمزج على الكأس والوسم يدل على الاتحاد والقيامة والحياة.لأن القربان هو حقا رمز موت المسيح ودفنه وقيامته (الفصح 7/2،دياطسرون48/2 ).كما يستعمل لفظة ((مزج))في معنى لاهوتي عميق لاظهار نشاط الله في الخليقة. ((إن البكر لبس طبيعتنا وامتزج بالبشرية .أعطى ما كان له وأخذ ما كان لنا لكي يقدر بامتزاجه أن يعطينا نحن المائتين))(ضد البدع32/9 ).
لا يوجد عند أفرام المفهوم الغربي للاستحالة .أما المناولة ـ الشركة فتتم في الخبز والخمر:
((إن الجسد المكسور ها هوذا يقسم بيننا ،والكأس التي ناولها تلاميذه ها هي ذي شفاهنا تشرب منها))(دياطسرون48/2 ).وكان المؤمنون يتناولون في راحة اليد اليمنى ويشربون من الكأس ((إقبلوا القدس على راحة يدكم وتناولوا الحَياة في لسانكم))(ملحق القداس الكلداني،الموصل1901))ترتيلة2 لأفرام ص303 .((نملك الله في يدنا ،فلا يكن غضن في جسدنا))(ضد البدع47/12 )((إن السنبلة الحقيقية أعطت خبزاً سماويا غير متناه.الخبز الذي كسره البكر في البرية ،نفد وانتهى ولو كان قد كثره .وعاد فكسر خبزا جديدا لم يكن بمقدور الأجيال أن تستهلكه .الخبزات السبع التي كسرها انتهت ،كذلك الخبزات الخمس التي كان قد كثرها.
خبز واحد كسره غلب الخليقة ،لأنه بقدر ما يوزع ـ على المدعوين ـ بقدر ذلك يتضاعف .ملأ،
كذلك جرات كثيرة خمرا ،استقوا منها فنفذت الخمر ولو كان ملأها .أما الكأس التي ناولها تلاميذه،
ولو كانت بسيطة فقد كانت قدرتها بدون حد.كأس تحتوي على كل الخمور ،لكن السر الذي فيها هو نفسه ،وحيد الخبز الذي كسره بدون حد،ووحيدة الكأس التي مزجها بدون نهاية .
من يتناوله بطريقة جسدية ،بدون تمييز ،يتناوله عبثا ،وخبز الرحمان الذي يأخذه بوعي يكون دواء الحياة… الذي يأكل من قرابين قربت بأسم الشياطين ،يصبح شيطانيا بدون ريب ،والذي يتناول الخبز السماوي ،يغدو سماويا ،بدون شك ))(الميلاد 4/87 ـ 103 ).

7-حرية الإنسان والشر 
يؤكد أفرام بأن الإنسان مركز الخليقة ،هو حر ،وحتى يعيش حريته ينبغي عليه أن يحارب الجهل والضلال (الفردوس15/5 ).والإنسان مسؤول في نهاية الأمر ،عن الشر في العالم: ((إن سبب الشر هو بكل وضوح،سوء استعمال الحرية .فآدم والشيطان بحريتهما ادخلا الشر من خلال الإرادة ))(ضد البدع 22/7 ).ويرفض القدر لأنه ينفي حكم الضمير والاجتهاد الخلقي وبالتالي قيمة أعمالنا وحريتنا(ضد البدع6/22 ـ23 ،11/3 ).
الإنسان قادر أن يتغلب على الشر إن شاء (الفردوس15/11 ،12/18 )وهو متفائل في قابلية الإنسان ،((إذا كانت نيتنا صافية،فالشر لا يوجد… والإنسان لا يستثمر سوى الخير الذي استلمه))(البتولية34/15 ).وينفرد أفرام بنظرته السليمة بخصوص الجسد البشري : ((لا يوجد أي شيء مضطرب ولا دنس بحد ذاته في جسد الإنسان ))(ضد البدع 19/1 ).
إننا نجد صدى لهذا المفهوم في مجمع الجاثليق سبر يشوع سنة596 ،إذ يقول صراحة((إننا نرفض ونقصي عن أي شركة معنا،كل من يعتقد ويقول أن الخطيئة موجودة في الطبيعة ،وإن الإنسان يخطأ لا إرادياً ،وكل من يقول أن الطبيعة آدم خلقت منذ البدء ،غير مائتة))(كتاب المجامع ص199 ).
وبعيد أفرام عن الثنائية اليونانية التي ترى في الجسد شرا ،((الجسد جبل بحكمة ،والنفس نفخت فيه بلطف ،من جر من إلى الخطيئة ؟إنها مشتركة لأن الحرية مشتركة ،لذا ينبغي أن يكلل الكل معا
(أي الإنسان الشامل)(ترانيم نصيبينية 69/4 ـ 5 ،44/3 ـ 4).
بإمكاننا مواصلة عرض المواضيع الأخرى التي تناولها أفرام ،ونؤلف خلاصة لاهوتية في العقائد والأخلاق المسيحية ،وبأصالتها المشرقية القريبة من الإنجيل والبعيدة عن التأثيرات الخارجية ،لكن ضيق المكان والزمان يحول دون القيام بذلك.
المراجع :
علاوة على كتابات أفرام المنشورة في مجموعة ((الكتبة المسيحيين الشرقيين ))وفي ((الباترولوجيا))
أعيد القارئ إلى المراجع التالية :
- ((مهرجان أفرام وحنين))،ويضم عدة مقالات،مطبعة المعارف ـ بغداد1974 ـ مطبوعات مجمع اللغة السريانية .
- مجلة ((ملتو))التي تصدرها جامعة الكسليك ـ لبنان،المجلد الرابع لسنة1973 ،عدد خاص بمار أفرام.
- مار أفرام،نظرات في شخصيته وآثاره ،بيروت 1973 ،يضم 6 محاضرات ألقيت في قصر الاونيسكو ببيروت بمناسبة الذكرى المئوية السادسة عشرة لوفاته.
- كميل أفرام البستاني ،((مار أفرام،سيرته ،آثاره ،قيمته)) ـ بيروت1973 .
- زكا عيواص (البطريك)،سيرة مار أفرام السرياني ،ط2 ،دمشق 1984 .
- الأب يوحنا يشوع الخوري ،والأستاذ عبد المسيح قره باشي ،مختارات من أناشيد مار أفرام ،بيروت 1973 .
- ألبير أبونا ،أدب اللغة الآرامية ،بيروت 1971 .
- ألبير أبونا ،مار أفرام الملفان ،مجلة بين النهرين2 (1973 )ص201 ـ 220 .
- لويس ساكو،القديس أفرام ،لاهوت هو صدى للإنجيل ،مجلة ((الفكر المسيحي))نيسان 1987 ص129 ـ 135 .
- القديس مار أفرام السرياني ،سيرته ،أقواله ،أعداد القس اغسطينوس البرموسي،القاهرة1988 .
- القديس العظيم مار أفرام السرياني ،قيثارة الروح ،الراهب القمص سمعان السرياني،القاهرة 1988 .
- 1981 Roma ,Marietti,Patrologia,.B,Altaner
- 1922 Bon,Lileratur Syrichen der Geschichte ,.A, BAUMSTARK
- of Vision World Spiritual The ,Eye Luminous The ,.S ,BROCK
.1985 Kerala Ephrem .St
-.1983 Brescia ,Chiesa della Padri dei dizionario Breve ,.A ,HAMMAN
de docteur Ephrem .S de Biographie Petite ,.E .B .HIKARY
.1952 Beyrouth ,Universelle I’Eglise
-.1965 Roma ,Syriaca Patrologia ,I ,ORTIZDE URBINA
- Ephrem in Sudies historical and critical Literary ,.A ,VOOBUS
.1958 Stockholm ,Syrian the
-,Ephrem saint de Symbolique .pensee’ la ,Mansour Bou Tanios .1988 ,Kaslik


نصوص مختارة 
مريم وحواء
-انر بتعليمك صوت القارئ وأذن السامع ،بأسرار حدقات العين ،فتستنير الأذان التي أضاءها الصوتُ .الردة:لك تسابيح النور.
-بفضل العين يكون الجسم وتركيباته نيرا في شراينه وجميلا في سلوكه ،ومزينا في حواسه ومظفرا في أعضائه.
-جلي هو أن مريم هي الأرض المضيئة التي بها استنار العالم وسكانه ،ذاك الذي كان قد أظلم بحواء علة كل الشرور.
-إنهما تشبهان في أسرارهما الجسم الذي احدى عينيه عمياء ومظلمة والأخرى سليمة تنير الجميع.
-هوذا العالم قد ثبت فيه عينان:حواء هي عينه اليسرى العمياء ومريم هي عينه اليمنى المنيرة.
-بالعين المظلمة أظلم العالم كله ،ولما يتلمس الناس ،وجدوا كل العثرات ،وظنوا أنه الله ،فدعوا الباطل حقاً.
-ولما استنار (العالم)بواسطة العين والنور السماوي الذي حلّ في حضنها ((مريم))عاد الناس فاتقنوا أن يستنبطوا بدعة تهلك حياتهم.

أناشيد الكنيسة37 
-لنسمع يا أخوتي ،ابناء حواء ،قصة أمنا القديمة التي طوتها مريم .((حواء))فتحت فم الموت المسدود وباب الهاوية الموصد ومهدت طريقا جديدا إلى القبر.
-واضح إنها اشتهت جمال الشجرة مثلما اشتهت سيدة يوسف حسنه .الواحدة سرقت سبيل زوجها والثانية سرقت ثمرة الشجرة .فالسارق مضطرب وفعله شنيع.
-حواء ثملت بمشورة الكبرياء ،ومثل الزانية أقدمت واضطرمت من دون أن تسأل هل أنت عبد أم ابن الأحرار،أانت من فوق أم من الحيوانات أم أحد الملائكة.
-لم ينزل العلويون ليكشفوا هذا ،لا السرافيم ولا الكروبيم ،فمن أعطاك هذه المعرفة التي تفوق الكل،
فلا العلويون والوسطيون شعروا بذلك.
-وإن وجد إله آخر غير الله الأحد وإن أنت رسوله وهو يشبهك ،ومن خلالك نراه يبغض الكل ،
كيف يحبك،وماذا أعطاك،هل جعلك كاتم أسراره؟
-والذي أرسلك إلينا فهو يشهد جسديا إنه هو إلهنا وهو إله الحق وقد أعطانا كل شيء من دون أن نسأله فكم يعطي للذي يحفظ الوصية الخاصة بالشجرة؟
(الكنيسة47/1 ـ 6 )
الميلاد 
1- في ميلاد الابن ، صارت ضجةٌ عظيمةٌ، في بيتَ لحم .
فقد نزل الملائكة.... وسبحوا هناك
فكانت أصواتُهم.... رعدا عظيماً
وعلى صوتِ ذلك التسبيح ....أتى الصامتون وسبحوا الابن .
اللازمة
تباركَ الطفلُ الذي به تَجَدَّدَ شبابُ آدمَ وحواء .
2- أتى الرعاة حاملينَ خيراتِ الغَنَم :
حليباً لذيذاً...لحماً نقياً
تسبيحاً بهياً... ميّزوا فأعطوا
ليوسف لحماً..لمريمَ حليباً وللابنِ تسبيحا.
3- حَمَلوا فقرّبوا...حَمَلاً رضيعاًلحَمَلِ الفصح
بكراً للبكر ... ذبيحةً للذبيحة
حَمَلَ الزمان ...لحمل الحقّ.
يا لجمالِ المشهد... حَمَلٌ يُقربُ لحَمَل
4- ثغا الحَمَلُ .... وهو يُقرّبُ أمام البِكر
شَكَرَ الحَملَ ... الذي أتى وحَرَّرَ
الخرافَ والثيران... من الذبائح.
(وحرر)حمل الفصحِ... الذي أتى وسَلسَلَ فصحَ الابن .
9- على صوتِ ذلك التسبيح...قامت العرائسُ فتقدّسْنَ ،
والبتولات... فتعفّفْنَ
والفتياتُ ... فتنقّيْنَ
بادَرْنَ وأتينَ جماعاتٍ جماعاتٍ وسَجَدْنَ للابن .
10- أتت عجائزُ قرية داود صوبَ بنتِ داود.
باركْنَ وقُلْنَ: ((طوبى لبلدتنا التي استنارت أسواقها بشعاعِ يسى .
اليومَ يُرَسخُ بكَ عرشُ داودَ ، يا ابنَ داود ))
11- صَرَخَ الشيوخ: ((تباركَ الطفلُ الذي جدَّدَ شباب آدمّ .
حزِنَ لمّا رآه ... عتَقَ وبَلي ،
والحيةُ التي قتلته انسلخت وتجدّدت .
تبارك الطفلُ الذي به تجدّد شبابُ آدمّ وحواّء )).
12- قالت العفيفات : ((أيها الثمرةُ المباركة بارِكْ ثمارنَا،لكَ تُعطى مثلَ البواكير)).
تحمَّسْنَ وتنبآنَ .. على أولادهنّ
الذين وهم يُقتَلون له يُقطَفون قطفَ باكورة .
13- حَضَنَتْه وحَمَلَتْه العواقرُ وأحببَنُه قائلات :
((يا ثمرةٌ مباركةٌ من دونِ زواج ،باركْ أحشاءنا ، بالزواج .تحنّنْ على عُقمِنا يا وَلَدَ البتولية العجيب)).

عمق كلمة الله غير المتناهي
يا إلهنا ،من يستطيع استيعاب كل الغنى الموجود في كلماتك؟ما نفهمه أقل بكثير ممّا لا نفهمه.إننا نشبه أناسا عطاشَ يشربون من الينبوع دون أن يستنفدوه ، هكذا أبعاد كلمتك عديدة وعديدة أبعاد الذين يدرسونها .
لقد لوّن الرب كلامه بجمال مختلف الجوانب حتى يجد فيه كل باحث ما يحب.وأخفى في كلمته كل الكنوز حتى يستطيع كل واحد منا أن يجد غذاءً يتأمل فيه.
كلمته مثل شجرة الحياة تمد لك من كل الجهات ثمارا يانعة،كلمته تشبه تلك الصخرة التي تفجرت ماءً في البرية فغدت شرابا روحيا لكل إنسان ،كما قال القديس بولس: ((لقد أكل جميعهم طعاما روحيا واحدا ،وشرب كلهم من ينبوع روحي واحد)) (1 قور10/4 ).

فلا يتصور من حاز على أحد هذه الكنوز إنه استفرغ كل الغنى الموجود في كلمة الله ،بل يجب أن يعلم أنه لم يكن قادراً على الاكتشاف إلا شيئاً واحداً من بين أشياء كثيرة .ولا يظن أن الكلمة صارت فقيرة بما أعطته له ،بل عليه أن يفهم أنه غير قادر على استنفاد غناها أبدا فليشكر الله على عظمتها .
ابتهج إذن ،لأنك ارويت غليلك ولا تحزن لأن غنى الكلمة يفوقك .
العطشان يفرح عندما يشرب ولا يحزن أمام عجزه في استنفاد الينبوع .من الأفضل أن يهدئ الينبوع عطشك من أن يستنفده،فإذا روى الينبوع عطشك دون أن ينصب،فسوف تستطيع أن تشرب منه كلما تعطش ،وعلى العكس،إذا استنفد الينبوع بشربك ،فسوف ينقلب ما حصلت عليه شقاء .
اشكر الله على ما شربته ولا تتذمر مما لم تشربه،لأن ما تناولته هو نصيبك وما بقي هو أرثك، وما لم تستطع تناوله الآن بسبب ضعفك ستحصل عليه فيما بعد بمثابرتك .(شرح الدياتسرون،الارمني18/9)
من موسوعة قنشرين للآباء والقديسين