Monday, April 2, 2012


أحد الشعانين

رَعيّـتي
كلمة الراعي
رسالة الشعانين
لعل ما دعا الكنيسة الى اقتباس هذا الفصل لرسالة اليوم المأخوذة من الرسالة الى أهل فيليبي كلام هذا الفصل على الفرح، ذلك الذي يعطينا إياه دخول يسوع الى اورشليم الدخول الأخير. “افرحوا في الرب كل حين”. آلام السيد ليست مصدر حزن لنا وهي التي قادتنا الى الخلاص وأظهرت الخلاص في القيامة. والآلام والقيامة وجهان لحقيقة واحدة وهي نصر المسيح.
والفرح يُظهر الحلم والرجاء. اما سبب ذلك فكون الرب قريبا. المفسّرون المعاصرون يقولون ان بولس كان ينتظر أن يعود الرب يسوع في حياة الرسول. مهما يكن من أمر فالرب دائما قريب بالكلمة وبسرّ القرابين المعروف بسرّ الشكر. ونحن نذوق في الأسبوع العظيم ان الرب يأتينا روحيا في كل يوم من أيام الأسبوع حتى يسطع المجيء صباح العيد. بعد قربى المخلّص منّا لا يبقى لنا همّ. ننشدّ الى “الصلاة والتضرّع مع الشكر”، والشكر نوع من انواع الصلاة. والصلاة تهدف إلى التطهّر، وبلا إرادة الطهارة ليس من صلاة. والطهارة فينا تأتي من سلام الله فينا، وهذا السلام يفوق كل تصوّر عقليّ، واذا حل فينا سلام الله يحفظ قلوبنا وبصائرنا في يسوع المسيح. تنتقل بسلامٍ اليه ويصبح مقرّنا. نحن فيه. نحن فوق.
بعد قول الرسول هذا الكلام يريدنا أن نفكر بالأمور العالية ويسمّيها، وهي الحق والعفاف والعدل والطهارة. العفاف وجه من وجوه الطهارة وهو متعلّق بالجسد. أما الطهارة فأشمل وهي ساكنة القلب. كذلك يريدنا أن نحافظ على حُسن الصيت الآتي من حُسن السلوك. وعلى رغم هذا يرتكب بعض القوم النميمة في حقنا.
وحتى يُسهّل بولس عليهم كل هذه الفضائل يقول: “ما تَعلّمتموه وتَسلّمتموه وسمعتموه ورأيتموه فيّ فبهذا اعملوا”. بولس يعتبر نفسه مصدرا في تعليم الإيمان وهو ذلك الايمان الذي وضعه الرب في قلب الرسول. والإيمان جاءهم بالسمع والتعليم وتقاليد الكنائس التي أَسّسها بولس. هناك ما يشاهده المؤمنون في العبادات، في القداس الإلهي.
هذه المجموعة في حركة السمع والمشاهدة والعمل الطقوسيّ رآها المؤمنون عند بولس. وهكذا ينتقل الإيمان عندنا بالتواتر في نقل العلم الديني وفي التشبّه بالقدامى. اذا عمّدنا بالتغطيس فلأن هذا انتقل الينا بالتقليد. اذا رسمنا على وجوهنا إشارة الصليب يكون هذا بتقليدنا الأقدمين. الإشارات والرموز في كنيستنا كالأيقونات والبخور والثياب الكهنوتية والعمارة الكنسيّة كلها جاءت مما شاهدنا. الترتيل انتقل إلينا جيلا بعد جيل، ولمَسْنا أنه يُجدي تعليمًا إيمانيًا وحثّا على التقوى ومشاركة الإخوة اذ نرتّل معا بفم واحد وروح واحد.
واذا ذُقنا هذا في كل خدمة إلهية، نبدأ اليوم نُنشد نشيد الخَتَن اي العريس الإلهي، وتبدأ الدعوة الى اليقظة حتى إذا تمّت هذه في كل أيام الأسبوع العظيم يكون فرحنا قد تمّ لاستقبال الفصح.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
الرسالة: فيليبي 4:4-9
يا إخـوة افـرحـوا فـي الـرب كـل حـيـن وأقول ايضا افرحوا، وليَظهَـر حِلْمُكـم لجمـيـع النـاس فـإن الـرب قـريـب. لا تهتمّـوا البتـة، بل في كل شيء فلتكـن طلبـاتُـكـم معـلومـة لـدى اللـه بالصلاة والتضرّع مع الشكـر. ولـيحفظ سلامُ اللـه الذي يفـوق كل عـقـل قلوبَكم وبصائرَكم في يسوع الـمسيـح. وبعـد أيهـا الإخـوة مهما يكـن من حـق، ومهـما يكن من عفاف، ومهما يكن من عدل، ومهما يكن من طهارة، ومهما يكن من صفة محبّبـة، ومهما يكن من حُسْن صيت، إن تكن فضيلـة، وإن يكن مَدْح، فـفي هذه افتكـروا. وما تعلّمتمـوه وتسلّمتمـوه وسمعتمـوه ورأيتمـوه فيّ فبهذا اعملـوا. وإلـه السلام يكـون معكم.
الإنجيل: يوحنا 1:12-18
قبـل الفصـح بستـة أيام أتى يسوع الى بيـت عنيا حيث كان لعـازر الذي مـات فأقـامـه يسـوع مـن بيـن الأمـوات. فصنعـوا لـه هنـاك عشـاء، وكانت مـرتـا تخـدم وكان لعـازر أحد الـمتكئـين معـه. اما مريم فأخذت رطـل طيب من نـارديـن خـالـص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها، فامتلأ البيت من رائحة الطيـب. فقال احد تلاميذه، يهـوذا بن سمعان الاسخريـوطيّ، الذي كان مزمعـا أن يُسْلمه: لمَ لـم يُبَـعْ هذا الطيـب بثلاث مئـة دينار ويُعـطَ للمساكين؟ وإنما قال هذا لا اهتماما منه بالمساكين بل لأنـه كان سـارقـا وكان الصنـدوق عنـده وكان يحمـل ما يُلـقـى فيــه. فقـال يسـوع: دعها، إنما حفظَتْـه ليوم دفنـي. فإن المسـاكين هم عندكم في كل حـين، وأما انا فلسـتُ عندكـم في كل حين. وعلم جمع كثير من اليهود أن يسوع هنـاك فجـاؤوا، لا مـن اجـل يسوع فقـط، بل لينظروا ايضا لعازر الذي أقـامـه من بين الأموات.
فأْتَمَـرَ رؤساء الكهـنـة أن يقتـلوا لعـازر ايضا، لأن كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبـون فيؤمنـون بيسـوع. وفي الغد لما سمع الجمع الكثيـر الذين جاؤوا الى العيد بأن يسوع آتٍ الى أورشليم أخذوا سعـف النخل وخرجوا للقائه وهم يصرخون قائلين: هوشعنا، مبـارك الآتـي باسـم الـربِّ، ملـكُ اسـرائيـل. وإن يسوع وجد جـحشًا فركبـه كما هو مكتوب: لا تـخافي يا ابنـة صهيـون، ها إن مَلِكك يـأتيـك راكبـا على جـحـش ابــن أتـان. وهـذه الأشيــاء لم يــفهـمـهـا تـلامـيـذه اولاً، ولكـن، لمّـا مُـجّد يسوع، حيـنئـذ تـذكـّروا أن هذه إنما كُتبت عنـه، وأنهم عـمـلـوها لـه. وكان الجـمـع الذين كـانـوا معـه حين نادى لعـازر مـن القـبـر وأقـامـه من بين الأموات يشهـدون لـه. ومن اجل هذا استقبله الجـمع لأنهم سمعــوا بأنـه قـد صنع هذه الآيـة.
قَبْلَ أن نودّع الصوم
من المبرَّات التي يزوّدنا إيّاها هذا الصوم الكبير، ثلاثة يُنتظر أن نرتضيها قَبْلَ أن نودّعه.
أوّل هذه المبرَّات أنّه يدعونا إلى أن نبقى نعي أنّ أيّ "طعام لا يقرّبنا إلى الله". لقد منعتنا الكنيسة، في هذا الصوم المقدّس، من أن نأكل لحم الحيوان (ومنتوجه). هذا منع عمّا هو حلال هدفه أن نتعوّد، في غير آن، أن نرغب في ما يريده الله لنا. هذا كُلْهُ، وهذا لا تأكلْهُ، أي أن نأتي من فم الله وحده.
الذين التزموا صلوات الكنيسة في الصوم إلى الآن، لا بدّ من أنّهم لاحظوا أنّنا، في أحد الغفران، أي الأحد الذي يبدأ الصوم في اليوم الذي يليه، اجتمعنا على ذكر "نفي آدم من فردوس النعيم". ما كانت مشكلة آدم، مشكلته الحقيقيّة؟ كانت أنّه رفّع إرادته على إرادة الله. خالف كلمة الله، أي نسي آدم فم الله، وذكر فمه! أحبّ شيئًا آخر غير ما قاله الله. أهمل ما لا يُهمل: أنّ حياته نعمة، أنّ كلّ ما ينفع قلبه قادر على أن يحصل عليه بالنعمة التي يهبنا الله إيّاها مجّانًا. فسقط، ونفي. وهذا معناه أنّ الصوم، في جوهره، تدريب على دوام الطاعة لله التي "هي التخلّي عن التمييز في وفرة التمييز" (السلّم إلى الله 4: 3).
هذا يقودنا إلى المبرَّة التالية، أي أن نبقى نسعى إلى أن نحرّر أجسادنا من أن تبقى لحمًا.
كلّ قضيّة الله مع الإنسان، في هذه الأرض، أنّه يريده أن يعي، "الآن وهنا"، أي في كلّ آن ومكان، أنّ لـه مـوعــدًا مـع أن يغـدو نـورًا كلّـه. كلـّه كلـّه. الـلحـم، أي الأهواء، أي الخطايا النتنة، "آلام النفس المهلكة"، العالم، هذه قبولها عصيان يخالف الضياء الذي يريدنا الله أن نرتديه، اليوم وغدًا. أن نصوم، أن ننقطع عن لحم الحيوان، ونبقى رهن لحم أجسادنا، أي نبقى نستحلي وسخ الأرض، خطّان لا يمكن أن يلتقيا. فالصوم أن نتقوّى في الوعي أنّنا أحرار، في الأرض، من كلّ ما يأباه الله لنا، ونبقى أقوياء أبدًا.
ربّما يزعج قارئًا ورعًا أن يقرأ مثلاً: "خطر المواسم الكنسيّة أن نُنهي متطلّباتها بعد أن تنتهي". ولكن، أليس هذا واقعًا، أي ألا يُنهي متطلّباتِ المواسم الكنسيّة كثيرون بيننا؟ كثيرون يصومون بإتقان ظاهر، ثمّ يعودون إلى لحمهم! كثيرون يصلّون في الصوم يوميًّا، ثمّ يعودون إلى الغرق في أسرّتهم! هل ندين؟ لا، بتاتًا! وإذًا، لا بأس إن قلنا إنّ المسيحيّة ليست مواسم، بل هي حياة أعضائها، حياة كلّ عضو من أعضائها. وهذا يجب أن يعني لنا، لكلِّ واحدٍ منّا، أنّها كلّها نباهة، انتباه على النفس لا ينقطع ما دامت أجسادنا تنبض. في القدّاس الإلهيّ المنسوب إلى القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، أوّل طلبة، يطلبها المؤمنون بعد استحالة القرابين، هي "نباهة النفس". وهذه من ذاتها تعني أنّ المؤمن الحقيقيّ هو الذي لا يفوته علمُ أنّ الله، الذي يساعد الإنسان في كلّ ما يرغب له فيه، إنّما يريده نبيهًا في كلّ ما يرضيه. فنحن، في الواقع، في أيّ طلب نطلبه إلى الله، لا نطلب سوى أن يكون هو نفسُهُ معنا وفينا. والله لا يمكن أن يقيم في اللحم، بل يسكن الإنسان الذي يعي أنّ دعوته الوحيدة أن يتجلبب نور البرّ، أي أن يضيء "ضيّاء النيّرات في الكون" (فيلبّي 2: 15). فالكون، في اللغة المسيحيّة، لا تنيره كواكب زُيّنت السماء بها يوم الخلق، بل أشخاص أدركوا أنّهم يلتزمون مقتضيات الله، ليسعوا، في كلّ يوم، إلى أن يتخلّوا عن أن يبقوا لحمًا.
أمّا المبرَّة الثالثة التي يستودعنا إيّاها الصوم نهجًا دائمًا، فهي أن نبتعد عن أن نأكل لحم أحد.
إذا راجعنا كتاب "التريودي" الذي نستعمله في هذا الصوم، لَوجدنا أنّ أعلى رذيلة، يطلب الله أن نهرب منها، هي أن "نأكل بعضنا بعضًا بالوقيعة"، أي أن نتكلّم بالسوء على الآخرين لا سيّما في غيابهم (أنظر مثلاً: أسبوع الجبن، صلاة غروب يوم الجمعة؛ الأسبوع الأوّل، صلاة غروب يوم الجمعة).
هذا العالم، الذي نحيا فيه، معظمه نميمة، كذب، نفاق، خبث، غضب، حقد. وهذه، التي هي "عذارى في الظاهر" (السلّم إلى الله 10: 3)، إن سقطنا في إحداها، نفقد عذريّة نفوسنا. بمعنى أنّ مَنْ يبتعد عن اللحم في الصوم، شأنه أن يتقن الابتعاد عن أكل لحم الآخرين، في الصوم ودائمًا. فالربّ، الذي نطلب ودّه في كلّ ما يرضي مجده، يودّ العالم كلّه. ولكنّه لا يمكن أن يتّحد إلاّ بِمَنْ كانت نفسه عذراء نقيّة.
في آخر أحد قَبْلَ أن نصوم، أي في أحد الغفران عينه، قرأت الكنيسة علينا قول الربّ: "إن غفرتم للناس زلاّتهم، يغفر لكم أبوكم السماويّ أيضًا. وإن لم تغفروا للناس زلاّتهم، فأبوكم أيضًا لا يغفر لكم زلاّتكم". وإذا دقّقنا في هذا القول، فلا يفوتنا أنّ الربّ، لمّا ذكر غفران الله الآب أوّلاً، لم يذكر زلاّت الغفور (التي ذكرها للذين لا يغفرون). يبدو أنّ يسوع لا يرى زلاّت مَنْ يغفر لسواه! ولا نقول ما هو غير مألوف إن أكّدنا أنّ الربّ، في ما قاله هنا، يريدنا أن نغفر لِمَنْ يخطئ لا سيّما إلينا. هذه إرادته التي تأبى أن نبدلها بأيّ أمر قد نبرّره. الناس، إن تكلّمنا عليهم بالسوء، وفي بالنا أن ننفعهم مثلاً، فمن الصعب أن يتحقّق ما في بالنا. المحبّة الظاهرة هي التي قد تعينهم على أن يفعلوا. لا يعني شيئًا لله أن نبدل لحمًا بلحم. ولا يعني صومنا شيئًا إن لم نتعلّم أن "نتّخذ المحبّة طعامًا" أبدًا (الأسبوع الخامس، صلاة غروب يوم الثلاثاء).
كان هذا الصوم لنا، لنكون لله في كلّ شيء. في الترتيب الكنسيّ، ينتهي الصوم بحلول عيد الفصح العظيم المقدّس. ولكنّ ما زوّدنا إيّاه شأنه أن يبقى يتلألأ فينا. هذا هو الجهاد الموضوع لنا ما دمنا على هذه الأرض. وخير ما يبقينا في صوم مستمرّ، في فصح مستمرّ، أن نضيء بالمحبّة التي هي ديننا كلّه.