Wednesday, December 15, 2010

 النبي دانيال
 والفتية الثلاثة : حنانيا ، عزريا ، وميصائيل
17كانون الاول
هذه كانت الاعجوبة الاولى .
اما الثانية فجرت عندما كان دانيال ورفاقه الثلاثة ، من الارض المقدسة ، قد حملوا جميعا من مسقط رأسهم كجزء من السبي البابلي الذي شمل اليهود في القسم الاول من القرن السادس قبل الميلاد ، وهناك طرحوا جميعا في الاتون المضطرم . وما هي المخالفة ؟ الثلاثة وهم من اورشليم ، حنانيا ، عزريا وميصائيل ، كانوا جميعا قد ابوا ان يركعوا ليعبدوا تمثال الامبراطور البابلي نبوخذنصر . بل قرروا الامانة لعبادة الاله الحقيقي الواحد ، اله ابائهم . وهؤلاء الشهداء لاحقا ، تجاهلوا الوعيد لأرغامهم على عبادة الامبراطور ، بالكلمات التالية : " نوصيكم ايها الامم ، الشعوب ، والقبائل واللغات ، انه كلما سمعتم صوت البوق والمزمار وكل الة موسيقية ، انه ينبغي ان تركعوا الى الارض لتعبدوا الصورة الذهبية التي للملك نبوخذنصر "
وعندما بلغ تمرد الفتية الثلاثة مسمع الامبراطور ، احتدم غيظا وامر للتو ان يحرق الفتية الثلاثة احياء في الاتون المضطرم .
وما حدث بعد ذلك هو معجزة مذهلة ومقنعة جعلت الامبراطور الوثني نفسه يهتدي في الموقع الذي كان واقفا فيه .
في البداية ظهر ملاك الرب في قلب الاتون المشتعل بينما راحت السنة اللهب تعلو في السماء باشتعال عظيم حتى اتت على بعض الناظرين ، فظل الملاك عديم الاكتراث بالكلية ، بل كان يتجول في الاتون ، وجمع الفتية الثلاثة وراح يقودهم بأمان في قلب ذلك اللهيب . للحال طفق الفتية الثلاثة ينشدون تسبحة الشكر لألههم الذي حفظهم من كل اذى : " تبارك الله اله ابائنا ........"وما تزال ترنيمتهم تنشد الى الان كل سنة في السبت العظيم المقدس .

وعندما رأى نبوخذنصر المذهول كيف ان المؤمنين الشباب من اورشليم المدينة الفلسطينية القديمة ، قد نجاهم الله ، اهتدى الى ايمانهم في الحال ، واعلن عظمة الاله الواحد ، فقام واخلى سبيلهم واكرمهم واستضافهم في بلاطه .
كل هذا جرى في السنوات التي اعقبت السبي البابلي الذي شمل الاسرائيليين حوالي السنة 600 ق م وكالالاف من المساجين المتألمين ، فتانهم جميعهم كانوا من سبط يهوذا ، وقد حزنوا وناحوا لفقدانهم وطنهم ، فضلا عن فقدانهم هيكل سليمان البديع مركز العبادة في فلسطين لاجيال عديدة لا تحصى .

اما الخوف من العبودية فكان يحيط على الدوام بمساجين الحرب الشباب . بيد ان الحياة ينبغي ان تستمر ، وبعد مرور سنوات ، راحوا يتكيفون مع واقع الحياة بعد السبي ، وكانوا افضل من كثيرين . وكأبناء لعائلات معروفة في فلسطين ، حظي كل منهم بثقافة عالية على يد معلمي البلاط عند الامبراطور البابلي . وبعد ان قطفوا جوهر التراث الكلداني الذي كان يحيط بهم ، البسوا لباسا فاخرا ، وصاروا محسوبين على حاشية البلاط .

كان هؤلاء الشباب محكظوظين جدا ن فقد تجنبوا حياة الالم والضرب بالسياط التي كان على جميع الاسرى في بابل ان يحتملوها ويتعايشوا معها . ومع ذلك ، فقد ابوا بالكلية ان يتصالحوا مع مصيرهم . اذ بينما كانوا يتمسكون بايمان ابائهم بثبات ، عاشوا حياة نسك ، وشظف عيش . وكانوا يتناولون خضروات نيئة فقط ، اما شرابهم فقد اقتصر على الماء . ولأنهم كانوا امناء له ، فقد منحهم الله الصالح الحكمة الخاصة التي سوف تخولهم ان يظلوا على قيد الحياة في منفاهم الرهيب . وبرحمة منه اعطاهم ايضا موهبة الوداعة والقدرة على تفسير الاحلام .

وبسبب حذاقته وجدة ذهنه ، فان دانيال ، واسمه يعني " الله يقضي " ، علا مجده ، وصار موضع ثقة لدى الملك نبوخذنصر . وانكشفت اخلاقه المستقيمة في السنوات الاولى لوجوده في بابل عندما تكلم ضد خداع اثنين من الفاسقين ، فوقى سوسنة العفيفة منهما ، وبعد ان سمع التهم والوشايات الكاذبة التي اطلقها هؤلاء الذين خاب املهم جدا في انها رفضت عروضهم الجنسية غير الشرعية ، ارتعش دانيال عندما سمع انها اوشكت ان تفعل اذ كان يفترض انها كانت متفقة مع الذين احنثوا القسم . وفي احتدام غضب بار ، صرخ النبي الشاب في ابناء بلده وقال الكلمات التالية : " هل انتم مجانين يابني اسرائيل حتى انكم بدون تدقيق ، وبدون معرفة للحقيقة ، ادنتم ابنة اسرائيل ؟ عودوا الى القضاء ، فقد اقاموا شهود زور ضدها . " ان هذا العمل النابع من نزاهة جريئة اثر تأثيرا عظيما في الذين كانوا يحتجزون دانيال ، فادركوا للتو انه كان يتمتع بموهبة تفسير الاحداث ، والتنبؤ بآن .

فوبخ الملك سحرته ومنجميه ، وقرّب دانيال منه . وفي احدى المناسبات ، تمكن هذا المستشار الحاد الذكاء ان يسدي خدمة هامة للحاكم ، سيما بعد ان رأى حلما مرعبا لميستطع ان يتذكره . وعندما اعرب جميع المنجمين البابليين عن عجزهم في تفسير الحلم ، تقدم دانيال واعلن ان الشكر هو لله الواحد القدير ، فدانيال سوف يتمكن ان يميز دقائق الحلم ويفسره ايضا .

وعندما فعل ، اقامه الامبراطور سيدا على تلك البقعة كلها . بالنسبة لدانيال الشجاع والمتواضع ، كانت البداية بمثابة عمل طويل الامد كحكيم في البلاط ، ومستشار . وبعد سنتين ، وبعد ان خلف بلشاصر نبوخذنصر على العرش طلب منه مجددا ان يظهر مهاراته الخارقة . وحدث انه بعد ان جزع الحاكم ا ذ كان قد رأى لوحة غامضة على جدار القصر اثناء وليمة احتفالية ، ومفادها ان الله احصى ايام مملكته ، وادناها من نهايتها . ومن جديد ، فالنبي الشاب استمد العون من الله ، فأماط اللثام عن النبؤة ، وقام وفسر لبلشاصر ان هذه الكلمات اللغز كانت تنبىء بسقوط كارثي سيحل بالمملكة البابلية في السنوات الاتية .

وقد حصل هذا السقوط فعلا على ايدي الفرس المحبين للقتال ، الذين ما ان هيمنوا ، حتى قضوا على الحضارة الكلدانية . ومن جديد ظل دانيال على قيد الحياة ، وصار مستشارا لداريوس . كان دانيال وجها بارزا جدا في البلاط لبعض الوقت ، الا ان بعض المنافسين الذين ضربهم الحسد ، وشوا به الى الطاغية فطرحه في جب الاسود . ولكن عندما قام هذا الشاب وسد افواه الاسود بيديه العاريتيندون ان يبالي بأي اذى قد يلحق به ، ادرك الحاكم للتو ان دانيال كان محفوظا من الله القدير .

تأثر داريوس جدا ، وامر بعبادة اله دانيال في تلك البقعة لأنه الاله الحي الثابت الى الابد ، ومملكته لا تتزعزع ، وسيادته تدوم الى الابد ( دانيال 6 : 26 ) .

ومن جديد صارت لدانيال مكانة عظيمة في المملكة هو ورفاقه الثلاثة معه .

الا ان قلبه ظل حزينا بسبب السبي الذي كان شعبه يرزح تحته ، وذلك لأنهم ازدروا الله وخانوه . وقد دوّن النبي هذا لاحقا في احدى اكثر المقاطع تأثيرا في العهد القديم : يا الله الهي ، امل اذنك واستمعني . افتح عينيك وانظر الى مذلتي ، والى المدينة المدعوة باسمك .فنحن لا نرفع التضرعات اليك بسبب اعمال البر بل بسبب مراحمك " (دانيال 9 : 18 ) .

فاستجيبت صلاة دانيال ، ولكن ليس على النحو الذي تصوره . وبسبب بره امام الله ، سمح له ان ينظر بعمق الى المستقبل .... ويتنبأ عندما كان يفسر حلما للمقتدر نبوخذنصر ، وهو حدث هام بالنسبة لأمة اسرائيل ، وللعالم على نطاق واسع . انه مجيء المملكة المقدسة القوية والمقتدرة التي ستحل مكان كل الممالك الاخرى التي على الارض : انها مملكة ربنا يسوع المسيح .

اما دانيال وصحبه فقد جرى سبيهم في عهد يواكيم ، وقد عاشوا شيخوخة متقدمة وقضوا جميعا في السبي . هؤلاء الثلاثة ، ساروا وسط الاتون المضطرم ، وفي النهاية قطعت هاماتهم على عهد الامبراطور الفارسي قمبيز بحسب اغلب مؤرخي الحقبة .

ان قصة دانيال في جب الاسود ،الفتية الثلاثة الشهداء الذين ساروا وسط الاتون ، تم تداولها الى اجيال واجيالطيلة خمس وعشرين قرنا . وماتزال الرواية الى الان تلهم الناس في كل مكان فيتعزون ويتشجعون بالقوة التي اظهرها الفتية في زمن الشدة والضيق .

من دانيال نتعلم ان الايمان هو افعال ، وان الافعال التي تؤكد على الايمان بالله ، يراد منها ان تتجسد في الحلبة العامة وليس في عزلة منفردة . ورغم ان هناك نتائج مؤلمة في بعض الاحيان تترتب على هذه الافعال النبوية ، فان اله دانيال الهنا هو عظيم كي يرانا م خلال هذه الافعال .

ابوليتيكيون باللحن الثاني :

عظيمة هي تقويمات الايمان ، لأن الثلاثة الفتية القديسين قد ابتهجوا في ينبوع اللهيب ، كأنهم على ماء الراحة ، والنبي دانيال ظهر راعيا للسباع كأنها غنم ، فبتوسلاتهم ايها المسيح الاله خلص نفوسنا . "



قنداق باللحن الثاني :

ايها المثلثو الغبطة ، انكم لم تعبدوا التمثال المصنوع باليد، لكنكم لما تدرعتمبالجوهر الذي لا يدرك ، مجدتم في جهاد النار ، لأنكم بانتصابكم في وسط اللهيب الذي لا يطاق ، دعوتم الله قائلين : اسرع يارؤوف وبادر الى معونتنا بما انك رحيم ، لأنك قادر على ما تشاء

احتاجوا الى معجزتين كي يظلوا على قيد الحياة ، فمنحت لهما . لقد طرح دانيال في جب مليء بأسود جائعة ، فلم يتردد ، بل قام ومشى ببساطة في وسط الحيوانات المزمجرة ، وسد افواهها كلها . للحال سكتت هذه الحيوانات الغاضبة وهدأت ، وبكل بساطة جثمت على الارض لترتاح بهدوء كالفراخ المسالمة .