Tuesday, May 17, 2011

المرأة السامرية
من أجمل ما في العهد الجديد إنجيل السامرية الذي رواه يوحنا. يقول ان يسوع اتى الى مدينة في السامرة تدعى سوخار. وهي قائمة حتى اليوم قرب نابلس. ولا يزال فيها تلك البئر المذكورة في الإنجيل وبجوارها كنيسة أرثوذكسية، وقد رأيت بنفسي هذا المكان قبل ان تنشأ دولة إسرائيل.
سكان هذه المنطقة السامريون انشقّوا عن اليهود بعد احتلال بخذنصر لفلسطين، ويختلفون عنهم بأن التوراة السامرية تحوي فقط اسفار موسى الخمسة وليس فيها كتب الأنبياء. لذلك قال يوحنا الانجيلي: “اليهود لا يخالطون السامريين”. مع هذا تحدّث الانجيل بإيجابية كبيرة عنهم. فهناك مَثَلُ السامري الشفوق، والأبرص السامري الذي شفاه يسوع مع اليهود ووحده عاد يشكر الرب.
عند الساعة السادسة اي ظهرا ادرك يسوع هذا المكان في طريقه من اورشليم الى الجليل. فجاءت امرأة لتستقي ماءً فـدخل معها يسوع في حوار. طلب منها ان تـعطيـه ماء ليشرب فـتعجبت ان يـطلب هـذا وهـو غريب عنها في الجنس والمعتقد. فقال لها السيد: “لو عرفتِ عطيةَ الله ومَن الذي قال لكِ اعطيني لأشرب لطلبتِ انت منه فأعطاك ماء حيا”. فقالت له: “من أين لك الماء الحي” (اي ليس عندك دلو ولا ينبوع هنا غير هذه البئر). عندئذ قال لها: “من يشرب من الماء الذي انا أعطيه لن يعطش ابدا”. ولما قالت له: “اعطني من هذا الماء” غيّر حديثه عن الماء وقال لها: “اذهبي وادعي رجلك”، وقصد ان يقول “رجلك” لا “زوجك” لكونها لم تكن متزوّجة وكانت تعاشر رجلا. اكد لها انه يعرف هذا الأمر فقالت له “يا سيد أرى انك نبي”.
ثم دخلا، بعد اعترافها، في جدل لاهوتي فقالت له “آباؤنا سجدوا في هذا الجبل (اي الذي كان هناك) وانتم تقولون إن المكان الذي ينبغي ان يُسجد فيه هو في اورشليم”. اذ ذاك قال لها: “انها تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في اورشليم تسجدون فيها للآب... تأتي ساعة وهي الآن حاضرة (اي لكوني انا ظهرت) اذ الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق” (اي لا بالذبائح التي تقدمونها او يقدمها اليهود، ولكن بالقلب الذي ينقيه الله فيصبح كل من المؤمنين الجدد منكم ومنا مملوئىن من الروح القدس). وكان يشير طبعا الى المسيحيين الذين سيظهرون كنيسة موحدة للشعوب كلها بعد العنصرة.
عند ذاك آمنت به هذه المرأة، وتعيّد لها الكنيسة مسمّية اياها “فوتين” اي المستنيرة. وذهبت لتبشّر ذويها، وقال الانجيل انهم آمنوا بأن المسيح مخلص العالم. وهذا ما جعل السيد يقول: “وتكونون لي شهودا في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض” (اعمال 8:1). وهذا بلا شك مما سهل تبشير الرسل للسامرة.
ما تركت فيّ المرأة السامرية من زمن طويل ان الانسان يمكن ان يتكلّم بكلمات إلهية ولا يكون في قلبه ولسانه انسانا إلهيّ السلوك.
الشيء الثاني الذي تركته ان يسوع بديلُ ايِّ ما نعتقد انه عظيم وليس بعظيم (الجبل في السامرة، اورشليم). هو وحده المساحة الإلهية ومرجع قلوبنا اذا تأزمت وحول وجهه تدور كل عبادة وتحرك فينا وهو وحده يكشف لنا المبتدأ والمنتهى وما بينهما.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).