Tuesday, May 17, 2011

انتصاف الخمسين
تُعيّد الكنيسة لعيد انتصاف الخمسين السيدي يوم الأربعاء الذي يلي أحد المخلّع بعد الفصح، ويعتبر تبيبكون كنيسة القديس موكيوس في القسطنطينية سنة 903 م أقدم مخطوط يذكر هذا العيد، وفيه يذكر تفاصيل عن هذا العيد إذ يحضر الإمبراطور صباحاً بلباسه الرسمي و جميع مرافقيه إلى الكنيسة، حيث تقام خدمة القداس الإلهي برئاسة البطريرك. وبعد القداس الإلهي يدعو الإمبراطور البطريرك والجميع لمائدة احتفالية في البلاط. وأتت فكرة هذا العيد من انتصاف العيد المظال اليهودي الذي علّم فيه السيد، فأخذته الكنيسة ليكون في منتصف عيدين سيدين كبيرين القيامة و العنصرة.في الكنيسة نعيش هذه الاحتفالات الكبيرة، ككل أعايدنا، عبر التسابيح والصلوات المحفوظة في كتبنا الليتورجية، التي تُعتبر من المصادر الليتورجية الأساسية والهامة
لكثير من الأعياد الكنسية، وتَظهر عظمة هذا العيد الخمسيني السيّدي الكبير، ككثير من أعيادنا الكنسية، بعناية اختيار طروبارياته وقوانينه المكتوبة من عظام الكتّاب الكنسيين مثل ثيوفانوس واندراوس الكريتي.
لكن ما معنى هذا العيد؟ ليس لهذا العيد حدث تاريخي خاص به إنما يقوم بربط عيد الفصح من جهة و العنصرة من جهة ثانية، ويحضّرنا أيضاً لعيد الصعود الإلهي الذي سيكون بعد 15 يوماً منه. هو ليس بحدث خلاصي، كباقي الأعياد السيدية، بل ببساطة هو يوم الأربعاء الذي يقع بعد 25 يوم من الفصح وقبل 25 يوم من العنصرة أي في منتصف البندكستاري بين عيدين سيدين كبيرين. وهذا ما تقوله لنا الطروبارية الأولى من صلاة غروب العيد:

"لقد حضر انتصاف الأيام التي ابتداؤها من القيامة الخلاصية

وختامها عيد الخمسين الإلهي، وقد تشرق بما أنها مالكة الإشراق

من الجهتين ومقرنة كليهما، وقد وافت مظهرة

شرف الصعود السيدي ولامعة به"

ولفهم هذا العيد يساعدنا المقطع الإنجيلي الذي يُقرأ في هذا اليوم (يو14:7-30). وهو يتحدث عن انتصاف عيد المظال اليهودي الذي يقف فيه السيد ويعلّم، وتعليمه هذا خلق استغراباً بين سامعيه أهذا هو المسيّا أم لا؟ هل تعليمه من الله أم لا؟ موضوع جديد بالنسبة لهم. فالمسيح هو المعلم الذي لم يتعلم عند أحد وهو ممتلئ حكمةً وهي حكمة الله الظاهرة في العالم. من هذا الحدث الحواري بين السيد من جهة واليهود من جهة ثانية والذي تم في المجمع اليهودي استلهم الكتّاب الكنسيون تسابيح هذا العيد مؤكدة بأن هذا الذي يعلّم في المعبد وسط معلّمي الشعب اليهودي، في انتصاف العيد، هو المسيّا المخلص وهو المسيح كلمة الله ذو الحكمة الإلهية التي رُفضت من قبل شعبه. سأختار قطعة من أكثر الطروباريات وصفاً للحدث وهي ذكصا أبوستيخن صلاة الغروب:

"عند تعليمك يا مخلص في نصف العيد،

قالت اليهود: كيف هذا يعرف الكتاب ولم يتعلم؟.

لأنهم جهلوا أنك أنتَ الحكمة المتقنة للعالم.

المجد لك"

في اليوم الأخير للعيد، أي المقصود عيد المظال الذي كان يستمر سبعة أيام: "وَفِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْعِيدِ" (يو37:7)، تحدث السيد مع الشعب قائلاًً: "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ" (يو 37:7-38)، ويعلّق الإنجيلي يوحنا قائلاً: "قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ" (يو39:7)، كلام السيد هذا لم يكن في يوم انتصاف العيد اليهودي ولكن في اليوم الأخير ولكنه مهم جداً للعيد ومتناسب مع الحدث، ولا يوجد صورة أكثر تشبيهاً في تعليمه عن الإنسان المؤمن كالتي أعطاه السيد عن الإنسان العطشان، ويأتي تعليم المسيح كنبع حياة ونهر نعمة تسقي هذا الإنسان العطشان، لأن المسيح هو نبع النعمة ونهر الحياة الأبدية، والذي يعطش ويشرب منه يتحول بدور إلى ينابيع: "تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ" (يو38:7)، ويجيب السيد السامرية: "يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ" (يو14:4). وبهذا يحوّل صحراء هذا العالم إلى فردوس فيه أشجار حيّة تحيا من ينابيع مياه حية تنبع من الروح القدوس. هذا الصورة الفردوسية ساعدت كتّاب التسابيح على كتابة طروباريات رائعة سنختار قطعاً تؤكد هذا الوصف منها ذكصا كانين الأودية الثالثة لقانون السحر:

"أيها المخلص لقد أفضت لجميع العالم ماء الحكمة والحياة

مستدعياً أياهم للاستقاء من المياه الخلاصية لأن الإنسان

المقتبل شريعتك الإلهية يخمد بها جمر الضلالة.

فلذلك من امتلائه منك يجوع ولا يعطش إلى الأبد أيها السيد الملك السماوي.

فلذلك نمجّد عزّتك أيها المسيح الإله مبتغين أن ترسل لعبيدك صفح الخطايا بسعةٍ"

طروبارية وقنداق العيد:

"في انتصاف العيد اسقِ نفسي العطشى

من مياه العبادة الحسنة أيها المخلّص

لأنك هتفت نحو الكل من كان عطشاناً فليأت إليَّ ويشرب.

فيا ينبوع حياتنا أيها المسيح الإله المجد لك".

"في انتصاف العيد الناموسي أيها المسيح الإله السيد وصانع الكل.

قلت للحاضرين تعالوا استقوا ماء عدم الموت.

لأجل ذلك نجثو لديك.

وبأمانة نهتف إليك هب لنا رأفتك وتحننك.

لأنك أنت هو ينبوع حياتنا".

واخيراً اكسابستلاري العيد:

"يا من له كأس العطايا التي لا تفرغ

امنحني أن استقي ماء لغفران الخطايا.

لأني مضنوك عطشاً أيها المتحنن الشفوق وحدك".

بكلام بسيط هذا هو عيد انتصاف الخمسين، ورغم نقصان فحواه التاريخي إلا أن غناه اللاهوتي أعطاه أن يكون عيداً هاماً جداً وشعبياً، شدّد فيه أباء الكنيسة على حكمة كلمة الله نبع كل الخيرات.
الأرشمندريت سلوان أونر
اليونان
http://almanarah.net/Mid-pentecost_2008.html