القديس يوحنا الذهبي الفم
قيامة المسيح هي "عيد الأعياد وموسم المواسم"، كما نردِّد في صلواتنا، في أعقاب أقوال القديس غريغوريوس اللاهوتي.
كيف لا تكون القيامة عيد الأعياد وموسم المواسم وهي تعني أن جسد يسوع الراقد في قبر محكم الإغلاق بحجر كبير، قد قام، وخرج من القبر دون أن تَدخل ملاك أو أُنس؟ لقد قام بمقدرته الذاتية. كيف قام جسد الميت؟ يسوع أقام لعازر وابن أرملة نايين وأبنة يايروس. عرفنا أن يصنع العجائب ولكن كيف قام هو نفسه بعد موته الخلاصي على الصليب؟ هذا سر
عظمته، سر قدرته. هذا لا يصنعه إلا إله قد صار جسداً من أجلنا. هو نفسه سُرٌّ وارتضى أن يقترض من العذراء جسداً من أجلنا يقاسي فيه الآلام والصلب والدفن، لكي يبيد بآلامه آلامنا، وبصلبه خطايانا، وبعريه عري آدم وحواء ونسلهما من البرّ، وبموته موتنا، وبدفنه عودتنا إلى التراب والبلى. وذاق من أجلنا كل هذا، والهزءَ والجلد والبصاق والإهانات، لكي ينقذنا من العقوبات المتوجبة علينا بسبب خطايانا التي لا تحصى.
عظمته، سر قدرته. هذا لا يصنعه إلا إله قد صار جسداً من أجلنا. هو نفسه سُرٌّ وارتضى أن يقترض من العذراء جسداً من أجلنا يقاسي فيه الآلام والصلب والدفن، لكي يبيد بآلامه آلامنا، وبصلبه خطايانا، وبعريه عري آدم وحواء ونسلهما من البرّ، وبموته موتنا، وبدفنه عودتنا إلى التراب والبلى. وذاق من أجلنا كل هذا، والهزءَ والجلد والبصاق والإهانات، لكي ينقذنا من العقوبات المتوجبة علينا بسبب خطايانا التي لا تحصى.
لا يقلْ أحد أنه بار وصدّيق. لا يقل أحد أنه ذو فضل وإحسان. كلنا خطِئنا وأعوزنا مجد الله. كلنا هالكون بسبب أعمالنا الرديئة. أفضل فاضل هو تلوث بالأثم، هو جبلة من آثام. لا يفتخر أحد بأعماله. الأثم يلوث الجميع. بطرس وبولس يوحنا الإنجيلي وسائر الرسل ما خلصوا إلا بدم المسيح. وما لي أذكرهم ولا أذكر سيدتهم مريم العذراء؟ هي نفسها ما خلصت إلا بدم المسيح، فأنشدت وسبحت:
"تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لوقا 1: 46-47).
إبراهيم كان في الجحيم (لوقا 16: 23). كل أرواح الصديقين الذين نبغوا في العهد القديم كانت في الجحيم. القديس ابيفانيوس (أسقف قبرص) يستعرضهم واحداً واحداً في خطبة السبت العظيم. لا يستثني منهم حتى يوحنا المعمدان الذي قال فيه يسوع إنه أعظم مواليد النساء (متى 11: 11). فيذكر أن يسوع شاهده وشاهدهم لما نزل إلى الجحيم، ليُخرج من هذا الشجن أرواحهم (رسالة بطرس الأول 19: 3)، ويصعدهم مع روح اللص التائب إلى الفردوس (لوقا 22: 43).
حتى آخر لحظة من العمر يتربص الشيطان الدوائر بأفضل القديسين لعله يقتنصه. حتى آخر لحظة من العمر ترافقنا حكَّهُ الخطيئة لتطوح بنا. لا يستطيع إنسان ما أن يخلص بذاته ولا بفضائله، لأنه ملوث بالآثام مهما صنع من جليل الأعمال.
لهذا مات المسيح ي الجسد لكي يصلب جسم الخطايا الأقسى والأعمى والأعتى من جسم السرطان الفتاك. هكذا شاء الله أن يطهرنا بدمه المسفوك على الصليب. لماذا اختار هذه الطريق؟ هذا شأنه. لقد فاضت محبته سعياً ورائي أنا الإنسان الضال الهالك، فأتى إلى في جسد مثل جسدي، إنما جسد طاهر. هكذا شاء أن يسفك دمه حباً بي ليغسلني به، فيطهر ضميري وروحي وجسدي من كل نجاسة الخطايا. عقلي لا يفهم ذلك بالمنطق والتحليل العقلي البارد. فهذا فوق العقل وفوق الفهم. إنما تطمئن إليه روحي، يرتاح إليه قلبي. لا أستطيع أن أتصور نفسي ناجياً من كل إثم لأن ألاثم ديدن ينخزني ليل نهار. الشيطان يستطيع أن يوهمني أني بارٌّ وصدِّيق. ولكن نجاحه نسبي، لأني سأكتشف أني أرتكب خطايا.
ليس من وسيلة تحت السماء لمحو خطاياي وغسلي من أدران نجاساتي وتطهيري تطهيراً كاملاً من كل رجاسة الروح والجسد سوى دم المسيح. أعمالي الصالحة لا تمحو آثامي.
سأبقى ما حييت أقوم بأعمال صالحة وأعمال طالحة كأن الإثم فيَّ ينبوع دائم الجري.
عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة الحسابية غير واردة. المقاصة الحقوقية بين فضائلي وآثامي غير واردة. التجار يجرون مقاصّة بين ما لأحدهم على الآخر وما للآخر عليه. هذا غير وارد في الحياة الروحية. طبيعة الفضيلة هي نقيض مطلق لطبيعة الرذيلة. لو كانت المقاصة ممكنة لما أتى المسيح الأرض ومات مصلوباً.
كل محاولة لتخفيف الشعور بآثامنا هي شيطانية. نحن خاطئون إلى أقصى الحدود. ولذلك ما كان من وسيلة لتطهيرنا سوى تنازل ابن الله، فجاء أرضنا، ومات على الصليب بين مجرمين كأنه ثالثهما.
صلبه اليهود كمجرم ومع هذا فقد مات من أجلهم ومن أجل العالم أجمع. وكان من الممكن أن يتوب حنان وقيافا وبيلاطس ويخلصوا بدم المسيح الذي صلبوه. فرحمة يسوع لا تعرف الحقد لا على حنان ولا قيافا. ألم يصلِّ يسوع من أجل صاليبيه فقال: "يا أبتاه، اغفر لهم، فإنهم لا يدرون ما يعملون"؟ (لوقا 23: 34).
ولذلك بعدما صنع يسوع لنا خلاصاً عظيماً بهذا المقدار تمَّم عمله بالقيامة من الأموات، اجتاز من الموت إلى الحياة، لينقلنا نحن المائتين من الموت إلى الحياة. بعد قيامته لم نعد محاصرين بالخوف من الموت والقبر، لأن موت المسيح قد حرَّرنا. بعد قيامة المسيح تشجع المسيحيون في القرون الأولى، فتقدموا من ساحات الاستشهاد ببطولات نادرة من أجل يسوع. كان العالم خاضعاً آنذاك للامبراطوريتين الكبيرتين، الرومانية والفارسية. تفنَّنتا في اختراع أساليب التعذيب. ولكن الشهداء جازوا الامتحان ببطولات نادرة وصبر غير بشري، لأنهم آمنوا أن آلامهم هي اشتراك في آلام المسيح، وأن موتهم في ساحات البطولات هو صليب بضمهم إلى قيامة المسيح، لينالوا ملكوتاً أبدياً بعد عذاب يسير. يقول فيهم القديس أثناسيوس الكبير إنهم ازدروا الموت بعد قيامة المسيح.
ولا يتوهَّمْ أحد أنهم وحدهم أبطال. فجميع الذين اعتمدوا نالوا مسحة البطولة والاستشهاد، وقاموا مع يسوع. إنما الإهمال والجبانة لباس شيطاني قد غلفنا. الخلاص موضوع للجميع لا لفئة دون فئة.
قام المسيح، فلننهض معه من كبوتنا. قام المسيح فلندس الخطيئة. قام المسيح فلنعيّد بأثواب الفضائل، وموائد الإحسان وأناشيد القيامة، لا بالحرير والطيلسان والخمر وأطايب الطعام والأغاني البذيئة. العيد عيد الروح لا عيد الجسد، عيد الهرب من الجحيم إلى الفردوس لا عيد النزول إليها. فلنطرب طرباً إلهياً مميتين بالروح القدس شهوات الجسد. ولنهتف من الأعماق هتاف النصر: "المسيح قام".
عن كتاب "الله في اللاهوت المسيحي" للشماس المعلم اسبيرو جبور