Friday, March 30, 2012



نيسان 1

الام البارة مريم المصرية

في ومضة ، في برهة الاهتداء الروحي ، تبدلت سيرتها 
بالكلية .
ان السيرة المذهلة لأمنا البارة مريم المصرية ، الزانية التي اصبحت في النهاية واحدة من اعظم القديسين في تاريخ الكنيسة المقدسة ، تبدأ بحادثة دراماتيكية جرت لها بينما كانت منتصبة امام ايقونة الكلية المراحم  المباركة مريم العذراء .
كان ذلك في المدينة المقدسة اورشليم حوالي سنة  482  بحسب مؤرخي الحقبة .
وقفت امام ايقونة  المباركة والدة الاله  في ذلك اليوم المبارك امرأة في التاسعة والعشرين من عمرها ، من مدينة الاسكندرية ، مصر . قدمت الشابة الى اورشليم بدافع الحشرية . وكانت تتوق ان تزور الاماكن المقدسة لتختبرها بنفسها القوة الروحية المستمدة من هذه الاماكن الذائعة الصيت مثل جبل الزيتون  وبستان الجثمانية .
كانت الشابة على يقين  انه ليس لهذه الاماكن المقدسة من تأثير عليها ، فهي لم تكن تؤمن بالانجيل الشريف ،او بتعاليم الكنيسة المقدسة . وبالفعل ، فان غايتها كانت ان تثبت لنفسها ان الاماكن المقدسة ليس لها من تأثير على الخطأة . كانت عازمة ان تسخر من الايمان . وهكذا راحت تتباهى انها جمعت كلفة الرحلة من غواية الحجاج في الطريق ،ومن ارهاقهم بأثمان باهظة مقابل شهواتهم الجنسية .
قبل مغادرتها الاسكندرية، كانت مريم تحيا سيرة ماجنة ، وكانت تتاجر بجسدها طمعا بالمال تنفقه على  المجوهرات  والحلى الباهظة الثمن  والثياب الفاخرة . لقد احبت حياة الفسق والمجون كما يبدو ، كذلك فانها في بعض الاحيان كانت ترفض ان تتقاضى اجرا على ما تقدمه لطالبيها .كانت عديمة الاحساس ، وكانت تقضي
الليالي في الماخورات مع الرجال الذين اغرقوها بالفسق والفساد .
بعد وصولها الى اورشليم ، راحت مريم تزور الاماكن المقدسة .وفي احدى الكنائس الشهيرة الواقعة  في مركز المدينة ، راحت مريم تستسلم لشهواتها كعادتها . ولكن بغتة ، ولأسباب لم تقدر هي نفسها ان تفسرها ، قررت ان تسجد امام اعظم رفات في الكنيسة ، اعني به الصليب الكريم الذي عليه مات الرب . اقدمت مريم على ذلك بعفوية ، وعلى نحو غير متوقع  وهي التي كانت تكسب عيشها  كغانية ، ولم تهدر وقتها يوما  على صلاة لا نفع لها منها .

ولدت مريم  في مصر  سنة 453 بحسب معظم مؤرخي الحقبة . تركت بيت والديها  في الثانية عشرة من العمر ،وراحت تطوف  شوارع الاسكندرية لتصبح بعد حين عاشقة للملذات وماجنة .
 وعلى اساس هذا الماضي ، يبدو من المستغرب فعلا  ان تبدي مريمالرغبة بدخول الكنيسة في اورشليم لتصلي امام  صليب الرب الكريم الذي كان يفترض ان الرب مات عليه بسبب خطاياها ايضا . الا انها كانت تسلك بحسب حدسها .اما الان فهو يدعوها الى الصلاة  في حضرة الصليب الكريم .
تحركن مريم بسرعة لئلا تغيّر رأيها ، وراحت تتقدمنحو الكنيسة مستعدة للمثول امام اقدس رفات في كل المسيحية .
الا انها فوجئت بغتة . لقد جمدت قدماها ولم تعد تقوى على الحركة . ومن جديد راحت تحاول جاهدة ان تتقدم داخل الكنيسة ، ولكن عبثا ، فقد اكتشفت انها بالفعل مشلولة بالكلية . ففزعت وادركت ان قوة غاشمة كانت تحول دون تقدمها داخل الكنيسة . استغربت . جزعت ، وراحت تحدق في ايقونة والدة الاله . وباحساس مفعم باليأس ، تضرعت الى العذراء ان تسمح لها بالدخول  الى  الكنيسة ،وراحت تفضي اليها بكل مكنوناتها وكيف انها تعيش غارقة في الفسق والفجور . صلّت مريم بدون كلمات ، والتهب قلبها حزنا ، ثم قامت وقطعت مع العذراء وعدا انها ستغيّر سيرتها ، لكن يكفيها اولا ان تمثل في حضرة  الصليب الكريم .
وصفها ببلاغة كاتب سيرتها بطريرك اورشليم صوفرونيوس . للتو بعد ان انهت مريم صلاتها الى العذراء مريم، احست بالقيود التي قبل لحظات كانت تكبلها  تنحل . وبعد ان استردت حريتها ، تمكن من دخول الكنيسة وقبلت صليب الرب الكريم حسب رغبة قلبها . وبعد ان اتمت ما ارادت ، عادت  الى صحن الكنيسة كي ترفع صلاة الشكر الى السيدة العذراء والدة الاله .
وما ان انهت صلاتها ، حتى حدث امر عجيب . لقد سمعت صوتا يناديها ويقول  بوضوح : اذا عبرت برية الاردن ، تجدين سلاما .
ترى ما معنى هذا القول ؟ لكن مريم كانت قررت ان تطيع . فقامت واشترت ثلاث خبزات من بائع كان هناك في الشارع ، وانطلقت نحو البرية ، برية الاردن وعبرتها الى قلب الصحراء . ما اعقب ذلك كان امرا خارق العادة دام ثماني واربعين سنة ، كانت خلالها مريم تطوف البطاح الرملية وتقتات مما توفره الارض ، وكانت تضرع الى الله القدير على الدوام . وسنة بعد اخرى ، كانت تثابر على هذه الحياة القاسية ، وسرعان ما بدأت تحبها . اية حاجة عندها الى الرفاهية والملذات ؟ الله قد اصبح كل شيء بالنسبة اليها ، وها هي الان تبدو مستعدة لارضائه .
وبعد سنوات عدة قضتها في هذا النسك الشديد ، صادفت هذه القديسة كاهنا راهبا ، في البرية ، هو الشيخ زوسيما الذي انذهل عندما رأى امرأة شيخة خط الشيب رأسها تتنقل من مكان الى مكان  في عمق البرية . وقد بدت له عارية بالكلية . حاول زوسيما ان يطرح عليها بضعة اسئلة ، الا انها هربت . فبذل كل الجهد للحاق بهذه التائبة . وعندما بات قريبا منها ، اطلّت عليه من حيث كانت تختبىء ، وذلك كي لا يرى عريها ، ثم قالت: ياابتسامحني حبا بالرب . انا لا اقدر  ان اواجهك ، لأني عارية .
ذهل زوسيما لدى سماعه هذه الكلمات ،وللحال رمى لها جبته ، فالتقطتها ولفّت بها جسدها .وبعد ذلك اطلعته بكل حياء عن سيرة حياتها كلها ، واوردت له الاعجوبة  التي حصلت لها والتي بعدها ستصبح  واحدة من اعظم ناسكاتالبرية . اصغى اليهازوسيمل بهدوء ، ثم شكر الله على عجائبه . وقبل ان يأتيها بعد سنة من اجل المناولة الالهية في المكان عينه .
لم ينس زوسيماوعده .الا انه سرعان ما تلقى صدمة اخرى . فعندما قدم الى المكان المتفق عليه ، ليلا ، رأى مريم تحت نور القمر تسير على صفحة المياه .بدت لهكأنها لاتبالي بكلالعالم .ترى ماذا يمكنه ان يقول ؟ عبر اليها وراح يشكر الله . ولما عاد هذا الاب القديس في السنة التالية كي يمنحها الجسد والدم الكريمين وجدها ميتةعلى ضفاف النهر .وكان مكتوبا على الرمال بقرب رأسها هذا القول الرائع : يا ابتزوسيما ادفن جسد مريم في هذاالمكان . وردّ التراب الى التراب . لقد رحلت في الاول من نيسان في يوم الام ربنا الخلاصية ، وبعد ان تناولت الاسرار الالهية .
لقد رحلت مريم المصرية . رحلت في سنة الرب 530 عن عمر ناهز السابعة والسبعين .
ليس من السهل ان نجد سيرة اجمل من سيرة القديسة مريم المصرية  في الكنيسة المقدسة ، المرأة التي نالت الخلاص بواسطة الله القدير، وهي في حضيض سيرتها الاثيمة .وبأشكال عديدة ،  فان سيرتها هي سيرة العهد الجديد ، سيرة المخلص الرحوم الذي قدم الى الارض كي يفتدي الخطأة ، سيرة محبته العظيمة التي يكنها لكل انسان . لقد خلص مريم . لقد تألمت مريم كثيرا ، الا انها في النهاية كانت انشودة مديح وتسبيح لله القدير .