Wednesday, March 2, 2011

اذار ٤ القديس البار جراسيموس
            عندما بدأ ت الزمجرة ، دب الرعب في قلوب كل الذين كانوا في المكان . لقد اصاب الجميع هلع ، باستثناء الراهب المتواضع جراسيموس . وهذا الراهب انسان بسيط سبق له ان تعلّم  كيف  يحب كل خلائق الله  بالعيش بينها  ناسكا في البرية . اصاغ هذا الرجل الجليل السمع جيدا الى مصدر الزمجرة ، ثم التفت الى الاخوة وطمأنهم  بالكلمات التالية قائلا : لا تخافوا ، فهذا الاسد لن يؤذي احدا . انه يزمجر من المه  فقط . "
            بعد هذه الكلمات راح الراهب الشجاع  يسير باتجاه الصوت المنبعث من كومة من ورق البلح ، كان امامه على بعد خمسين ياردة، بينما راح الرهبان  ينظرون الى بعضهم بعيون جاحظة . كيف لقائدهم ان يجسر على المضي الى هناك ؟ اما هم فلم يتجاسروا ان ينظروا ، بل راحوا ينتظرون كيف سيهاجم الوحش هذا الراهب الشجاع مؤسس ديرهم في فلسطين ، ويقضي عليه . وكان الدير قد شيد  سنة 450 م
            ماهي الا لحظات حتى وصل الراهب الى القطة الكبيرة الرابضة على الارض وهي تتلوى في المها ووجعها . فابتسم ، ثم انتصب امام هذا الحيوان الضخم وامسك بذراعه اليمنى ، فنظر اليه الاسد بعينين شبه مغمضتين ، وسرعان ما بسط ذراعه الملتهبة ، على يد الناسك . كان في وسط مخلبه شوكة ضخمة انغرست عميقا في لحم ذراعه ، فقام الناسك ، وبدأ  يعمل لأزالتها .

            منذ ذلك الحين ، راح الاسد  يعيش كقطة وديعة في ذلك الدير . اما الرهبان السبعون الذين شهدوا ما حدث ، فراحوا ينذهلون يوما بعد يوم عندما بدا لهم الاسد اليفا ووديعا .
            اما بالنسبة لجراسيموس ، احد اكثر النساك  اتضاعا ونكرانا للذات في كل تاريخ الكنيسة ، فقد كان الحدث امرا اعتياديا .
            ولد القديس جراسيموس في مدينة ليكيا من اعمال اسيا الصغرى حوالي سنة  400 م . تعرّف الى المسيحية طفلا ، ومع بلوغه طور المراهقة راح يطوف القفار المصرية المعروفة باسم  (طيبة ) .
            انه انسان هادىء لطيف المعشر يتمتع بنزعة طبيعية للعيش في العراء . كان يرضى ان يتناول بضعة حبات من البلح فقط. وقلما كان يأكل طعاما مطبوخا . كان نومه امرا غير مهم . واذا كان الطقس دافئا وجافا ، كان يستلقي على الارض  حيث هو ليشكر الله الذي اعطاه تلك الراحة الليلية . اما اذا كانت الارض مبللة  بالمطر ، فكان ينظر حوله بحثا عن كهف يخلد فيه لبضعة ساعات . عاش على هذا المنوال ردحا طويلا من الزمن ، في مصر ، بفرح كبير . ثم قرر بعد ذلك انه يود ان يقوم بزيارة الاماكن المقدسة  في فلسطين ، فانطلق الى هناك .  حط به الرحال مع بعض النساك  عند ضفاف الاردن سنة 450 م ، وما هي الا سنوات قليلة حتى  نمت هذه الشركة الصغيرة لتصبح بعد حين واحدة من اكبر اديار  الشرق الاوسط( وما تزال  الى اليوم ) . اقتنع  الاب جراسيموس ان يقوم بأعمال يومية بسيطة ، تكون بمثابة طريقة لتمجيد الله. وقد حدد هذا الرئيس المعيّن حديثا ، نوعا جديدا من نظام لرهبانه  راحوا بموجبه يقضون نهاية الاسبوع وهم يحيكون السلال  والبسط  في قلاليهم .  لم يكونوا ليطبخوا ، بل كان طعامهم يقتصر على البلح والخبز الجاف . بدا النظام هذا جيدا لهم . وبقيادة وتوجيه هذا الاب الحكيم ، كان يتوجب على الرهبان ان يتركوا قلاليهم مشرّعة ، وهذا يعني انه بمقدور كل من اراد ، ان يدخلها ليأخذ ما يشاء . ولما كان الرهبان لا يملكون شيئا ، فهم لم يكونوا لينزعجوا من هذا التدبير .
اما في نهاية الاسبوع ، فكانوا يتابعون العبادة البسيطة  في الكنيسة ، ومن ثم يجتمعون  للاحتفال بالوليمة  التي كان قوامها بعض الخضار والقليل من النبيذ . وفي ذروة الاحتفال ( القداس الالهي )، كان كل راهب يتقدم يتقدم من الاب رئيس الدير فيضع عند قدميه  السلال والبسط  التي حاكها في ذلك الاسبوع ، اما هو فكان يبدو على محياه السرور والانشراح مما يفعلون .
            بساطة هذه الترتيبات كان من شأنها ان جعلت الحياة اسهل مما كان من الممكن ان تكون عليه . على سبيل المثال : باكتفاء الراهب بجبة واحدة ، حلّت مسألة الغسيل ، وتوزيع الغسيل، الى الابد . واذا ما اراد الراهب ان ينظف جبته كان ينزل بها الى النهر كي يغسلها هناك .
            ولعل المغبوط جراسيموس آثر هذه الحياة لأنه سبق ان تعلم من تجربته الشخصية ان الافكار المعقدة،يمكنها ان تكون نبعا لمتاعب لا تنتهي .  اما في شبابه فقد جرّب لبعض الوقت بأحدى الهرطقات الكبيرة في زمانه ، في القرن الخامس ، والتي هي مدرسة عمل فيها بعض الاكليريكيين الذين عرفوا بالمونوفيزيتيين ، وقد تميز فيها مفكران كبيرا هما : افتيخيس وذيوسقوروس . وقد قامت هذه الهرطقة الذائعة الصيت  على فكرة مؤداها ان المسيح يسوع يمتلك وجها ازليا فقط ، وذلك لكونه يمتلك اقنوما ازليا في الثالوث ، الا انه لم يكن انسانا فانيا . بكلام اخر ، المسيح هو الله ، لكنه ليس انسانا .
            ولئن كان القديس جراسيموس قد اخذ ببعض هذه الافكار في شبابه ، الا انه سرعان ما ادرك اعوجاجها ، والشكر يعزى لأفكار والحاحات صديقه العزيز محارب الهرطقة نفسها، القديس افثيميوس.
            امضى هذا القديس سنوات عدة يقاوم التعليم المزيف  دفاعا عن الارثوذكسية   في الكنيسة المقدسة .  اما في المجمع المسكوني الرابع  ( 451 ) ، فقد لعب دورا بارزا في دحض المونوفيزيتية  مدافعا عن العقيدة الحقيقية في الكنيسة المقدسة ضد فساد هذه الهرطقة .
            رقد القديس جراسيموس بالرب  سنة 475 ، وكان في ذلك الحين قد اصبح وجها محبوبا طبقت شهرته الافاق بسبب تقواه وتواضعه ومحبته لجميع الحيوانات المفترسة التي كانت تطوف الارض  هناك .  وعندما لفظ انفاسه الاخيرة ، كان بجانبه الاسد الذي سبق للقديس ان اراحه من المه عندما انغرست في لحم ذراعه شوكة كبيرة . رقد الاسد ايضا بجواره ،فدفن بقربه . والى هذا اليوم ، مايزال الاسد اللطيف يصور على ايقونة الاب القديس رابضا عند قدميه . تظهر لنا سيرة القديس جراسيموس القيمة العظيمة التي يمتلكها الذين يحيون  حياة بسيطة امام الله القدير . لأن الذين يعرفون  كيف يرفعون الشكر للرب الاله  مع تنفسهم ، فان قطعة خبز ، وبضعة بلحات  تكون لهم وليمة عظيمة تعلو على كل وليمة .

طروبارية :باللحن الاول
" ظهرت في البرية مستوطنا ، وبالجسم ملاكا ، وللعجائب صانعا ، وبالاصوام والاسهار والصلوات تقبلت المواهب السماوية . فأنت تشفي السقماء ونفوس المبادرين اليك بايمان ، يا ابانا المتوشح بالله  جراسيموس  . فالمجد لمن وهبك  القوة . المجد للذي توجك . المجد للفاعل  بك الاشفية للجميع . "