Wednesday, March 9, 2011

القديس كيرلس بطريرك اورشليم
18 اذار
كان محاربا شجاعا وعنيدا مقداما ضد الهرطقة وقد دفع ثمنا باهظا بسبب استقامته اللاهوتية اثناء المراحل الاليمة عندما ابعد عن السدة البطريركية ، لابل طرح في السجن  ايضا ، ولبعض الوقت . وفي حياته المليئة بالصخب ( 315 – 386 ) شهد القديس كيرلس بعض الصراعات العقائدية  العنيفة في تاريخ الكنيسة الاولى .
ومع ذلك فان دفاعه المستميت عن العقائد الارثوذكسية المحددة في انجيل يسوع المسيح ، وقد قدّر له ان يلعب دورا مركزيا  في سحق عدد من الهرطقات الخطيرة ، وحماية نقاوة  التعاليم المسيحية .
انه كاتب ولاهوتي بارع ،  واكليريكي لطيف ، وراهب متواضع ، يثق بالله القدير الذي يحمي كنيسته والاساقفة المخلصين الذين اختارهم لقيادتها . بالنسبة للبطريرك  المؤمن ، فان هذه الثقة دفع ثمنها في احدى الليالي في اورشليم ، وقبل ستة عشر قرنا من الان . وما حدث في تلك الوقيعة التي لا تنتسى ، ما يزال سرا عند كل المسيحيين في كل مكان .

بدات الحادثة بعد مرور ساعات على منتصف الليل بحسب مؤرخي الحقبة ، بينما كان البطريرك في مقره بجوار وسط المدينة . ومن جديد فان القديس المجاهد وجد نفسه عاجزا ان يأخذ لنفسه قسطا من الراحة ، وذلك لسبب وجيه : كنيسته كانت وسط الضجيج والصخب .
انقاد بعض الاساقفة المرتدين ، واقتربوا من الاعتقاد بهرطقة رهيبة مفاد تعليمها ان المسيح لم يكن في الله منذ الازل ، بل ظهر في برهة تاريخية محددة . وعرفت الهرطقة بال " اريوسية " وقد اوشكت ان تمزق الكنيسة بتعاليمها المزيفة . للحال فان اساقفة من اورشليم وصولا الى القسطنطينية ، دعوا كيرلس البطريركان يتنكر لتعاليم الاريوسية المزيفة ، او يفقد موقعه كراع للمؤمنين في مدينة اورشليم العظمى .
وكيرلس رجل مرهف الاحساس مقت الصراع والاقتتال ، واثر ان يمضي ايامه في تأمل هادىء  بالله القدير . ولد القديس كيرلس سنة 315 في عهد القديس الامبراطور قسطنطين الكبير . وكأبن لوالدين تقيين ثقفاه في الاسفار المقدسة  وتعاليم الكنيسة . ترعرع كيرلس راهبا ، فكاهنا  وشيخا  احيانا ، وقد وجد ان الله اختاره ليخلف رئيس الاساقفة  مكسيموس بعد رقاده  سنة 350 رئيسا على مدينة اورشليم .
وفي غضون سنة ، فان النضال المستمر ضد الهرطقة التي اطلقها اريوس ، انفجر الى حرب في كل مكان ، الامر الذي هدد الكنيسة كلها بالفوضى . وبازدياد ، راح راح الاساقفة الاريوسيون يهاجمون كيرلس والاساقفة القديسين الاخرين  في اورشليم ، مصرّين انه يجب ان يبسل هؤلاء ، ويجري اقصاؤهم ونفيهم .
وبحزن شديد ، راح الراهب المتواضع يصلي في الايام الاخيرة طالبا من الله علامة حسية ومنظورة ، في كل اورشليم ، وذلك كي يشير الى تلك العلامة كبرهان على ان كنيسة اورشليم تسير في الطريق القويم  عندما ترفض الاريوسية .
هذا هو الامر الذي جعل البطريرك  مرهقا وهلعا في صبيحة يوم العنصرة من سنة الرب 351 . العينان مغلقتان ، اما هو فراح يضرع الى الله الاف المرات كي يحفظ الانجيل المقدس  من النجاسة الاريوسية ....الى ان التمع وميض نور في الغرفة لفت انتباهه .
نظر القديس كيرلس باتجاه النافذة ، وبالكاد صدّق ما رأى . كاننور مبهر يغمر كل المكان . وفي طرفة عين ، انتصب على قدميه ، وراح يحدق في السماء . ثم عاد والتقط انفاسه . الاف من الاورشليميين تيقنوا في الايام التالية من صليب ناري ملأ  السماء . كانالصليب كبيرا جدا بحيث انه بدا اشد ضياء والتماعا من الشمس ، وقد انبسط في شكل قوس ليغطي كل المسافة التي بينجبل الزيتون  والجلجلة حيث صلب الرب .
وبكل تأكيد ، استجيبت صلواته : وهنا كانت العلامة !وما هي الا ساعات حتى راح يدوّن ما سوف يكون تاريخا لا يقدر بثمن : انها الرسالة التي بعث بها الى الامبراطور كونستانتيوس ، وفيها وصف الاعجوبة المتعلقة  بظهور علامة الصليب بتفصيل منقطع النظير ، لا ينتسى .
منذ        تلك اللحظة ادرك البطريرك العظيم ان النضال ضد الاريوسية سوف ينتهي اخيرا ، وان نقاوة تعاليم الارثوذكسية سوف سوف يصونها يسوع المسيح رب القداسة . ولكن لابد من معارك عدة . وبالفعل ، فقد وجد الاسقف المتواضع نفسه منفيا ، ومبعدا عن ابرشيته في مناسبات ثلاث منفصلة من قبل كونستانتيوس وخليفته الامبراطور فالانس (364 – 378 ) . وفي النهاية فان خادم الله الوديع سوف يسترد السدة البطريركية بمؤازرة البطريرك القديس ثيودوسيوس الكبير ( 379 – 395 ) . وسوف يظل بطريركا على اورشليم يلعب دوره الدقيق الى حين رقاده في الحادية والسبعين من العمر سنة 386  .
القديس كيرلس ترك لنا كتاباته التي هي حجر الاساس للتعاليم الاساسية  في الكنيسة المقدسة. لقد وضع هذا الكاتب الشهير عددا من الاعمال المهمة في اللاهوت والعقيدة ، وضمن لنفسه مكانة في تاريخ المسيحية . والدستور واضح والايمان عند الذين يعلنون  حقيقة الانجيل الشريف يعبر عنها بكلمات على النحو التالي : "اؤمن باله واحد اب ضابط الكل ، خالق السماء والارض ، كل ما يرى وما لا يرى . وبرب واحد يسوع المسيح ، ابن الله الوحيد المولود من الاب قبل كل الدهور . اله من اله . حياة من حياة . نور من نور . به كان كل شيء . الذي من اجلنا  نحن البشر ، ومن اجل خلاصنا نزل  وتجسد  بالروح القدس  ومريم العذراء  وصار انسانا . وصلب ..... ودفن وقام  في اليوم الثالث كما في الكتب . وجلس عن يمين الاب . وسيأتي  بمجد ليدين الاحياء والاموات وملكه لانهاية له . وبروح واحد قدوس ، المعزي ، الذي تكلم  بالانبياء . وبمعمودية واحدة للتوبة  ومغفرة الخطايا . وبكنيسة واحدة مقدسية رسولية ، وبقيامة الجسد في الحياة الابدية .
وبين كتابات القديس كيرلس الاورشليمي الفائقة الاهمية ، هناك مناظراته التعليمية التي حددت وثبتت المعتقدات الاساسية  وممارسات المسيحية الارثوذكسية . كذلك فقد وضع عظة شهيرة ومقنعة عن " بيت حسدا " بالاضافة الى مقالات قصيرة تتناول وجوها مختلفة من الايمان المسيحي .
تعلمنا سيرة القديس البطريرك كيرلس الاورشليمي درسا مهما عن الصبر في الرب . ومن جديد فان هذا الاسقف المفكر والحكيم تعرض لتجربة اليأس بسبب الصراع الفوضوي الذي تهدد الكنيسة  المحبوبة . وبالرغم من حزنه الشديد ، ظل متمسكا بايمانه ، وفي النهاية كوفىء بعلامة دللت على عناية الله الابدية بخدامه الاوفياء . وكمحارب من اجل حقيقة الرسالة الالهية المعلنة ، فقد الهم اجيال المسيحيين كي يتمسكوا بايمانهم في خضم العواصف الحتمية التي تعصف بحياتنا الزائلة .
ونحن نكرمه لتعاليمه السنية وشجاعته ، رغم الاضطهاد ، كي نظل اوفياء للمسيح . ولعل اعظم عبرة يمكننا ان نتعلمها  من القديس كيرلس بطريرك اورشليم هي انفتاح العقل في بحثه عن الحقيقة ، والتعايش المسالم مع الذين يختلف ايمانهم عن ايماننا .