نعيد للقديسة حنّاثا الشهيدة البتول
10 شباط
عندما هبط المرسوم من فوق بات الجميع مطالبين بتقديم العبادة للاصنام ، تحت طائلة الموت ! الا انها اجابت السلطات الرومانية على الفور انها لا تستطيع ان تفعل ذلك . فلم تكن السلطات راضية ، وهذا اقل ما يقال .
وماهي الاساعات حتى قدم ضباط يمثلون الامبراطور الروماني مكسيميانوس الثاني غاليريوس (305 – 311 )وابلغوا الشابة البتول انّاثا ، انها ان لم تنكر المسيح على الفور وتقدم العبادة للاصنام ، سوف تحرق حية عند المقصلة . الا ان ايمان هذه الشابة والبتول القديسة كان عظيما جدا حتى انها لم تهتز البتة !
وحصل اعدام انّاثا الشجاعة ( المعروفة ب: كونستانتينا ) في قيصرية المدينة الفسطينية الساحلية المكتظة بالسكان وذلك في سنة 308 م . جيء بها الى امام الحاكم فيرميليانوس وهناك استجوبها بفظاظة محاولا ان
يكسر عزيمتها ويرغمها على عبادة الاصنام التي كانت عارا على نفسها . كانت الاجراءات مؤلمة للغاية ، ففي كل مرة ارغمت الفتاة على الخضوع للمرسوم الامبراطوري بالقول : " الجميع مطالبون بتقديم العبادة للاوثان ، كانت هي تغمض عينيها وتهز رأسها .
ثم بعد ذلك قالت للوالي انه لا يمكنها ان تساهم في هذه الشعائر، وذلك لسبب وجيه هو : انا مسيحية .
كان قصاصها سريعا ومؤلما جدا . في البداية عراها الجنود من وسطها الى فوق ، ثم راحوا يجلدونها بلا هوادة بحبال مصنوعة من جلد البقر وفي رؤوسها دبابيس من نحاس . ثم طافوا بها نصف عارية في شوارع قيصرية وساحاتها ، وراح الناظرون اليها يسخرون منها لدى رؤيتها شبه عارية ، وكانوا يطالبون بأعلى صوتهم بموتها . وعندما راحت تتمتم عبر شفاه غطتها الدماء انها خادمة ليسوع المسيح الرب ، وبتول نذرت نفسها له كل حياتها ، فعلقوها على الفور الى عامود وراحوا يمعنون بجلدها من جديد . ثم بعد ذلك ، راحوا لساعات يركلونها ويبصقون على وجهها الغارق بالالام والدماء
لكنهم لم ينالوا منها . وكلما اوغلوا في تعذيبها ، فان هذه الشابة الوديعة والفولاذية من وادي جزريل، كانت تزداد التصاقا بايمانها العظيم بيسوع المسيح . وفي النهاية لما رأوا ان العذابات كلها لم تنل منها ، جروها الى المقصلة واضرموا النار فيها وهي حية . لم تتأوه بينما كانت السنة اللهب تتعملق حول جسدها المضرج بالدماء ، وما هي الا لحظات حتى غادرت الى المكافأة الابدية شهيدة للمسيح .
لم تمت لوحدها . ففي هذه الحملة الشريرة التي طالت المسيحيين في فلسطين في السنوات الاخيرة من القرن الرابع فان بعضا من زميلاتها البتولات ( فالينتينا و باولا ) وهما من قيصرية ايضا ، تمت تعريتهما ، وضربتا بدون هوادة ، ثم قطعت هامتاهما لأنهما لم ينكرا السيد المخلص وفادي العالم . وكما فعلت اناثا ، ايضا فقد كانتا تسبحان الله القدير وقد ابتا ان تنكراه يسوع المسيح الذي نزل من السماء لخلاص العالم من الخطيئة والموت .
ان سيرة العظيمات في القديسات والقديسين اناثا ورفيقاتها ، اتفتح كوة على واحدة من اعظم اسرار المسيحية مفادها ان الله يسمح احيانا للاكثر امانة ومحبة له ان يدمروا في اجسادهم على ايدي اعداء الله وذلك كي يهتدي الاخرون الى يسوع المسيح بقدوتهم .
وبينما لانجد ان سجلات الكنيسة المقدسة تحوي تفاصيل عن اعداد المستشهدين الذين قضوا في القرون الاولى للمسيحية ، الا انه ليس من شك ان اعدادهم تفوق 3000 بين موت الرب واهتداء الامبراطور الروماني قسطنطين سنة 313 م ( بعد ذلك الحدث الرهيب ، اصدر الامبراطور مرسوم ميلانو الذي به وضع حدا لاضطهاد المسيحيين في حدود الامبراطورية الرومانية ) . ان احدى اعظم الهبات المعلنة للعالم بواسطة الشهداء القديسين هي هبة الامانة .
باظهارهم لنا انه من الممكن احتمال اشد الالام واعظمها بدون تأفف ، وفي الوقت نفسه الثقة العميقة بحماية الله القدير ، فان هؤلاء الابطال الروحيين كانوا يقدمون التسبيح لله الذي يجعل الشجاعة ممكنة بمحبته الازلية