لأبينا الجليل في القديسين ، يوحنا الهدوئي اسقف كولونيا
عندما كان شابا في الثامنة عشرة من عمره ، ورث عن والديه ثروة كبيرة ، الا انه سرعان ما وزعها كلها على الفقراء ، وعلى تشييد كنيسة جديدة .
3كانون الاول
في الثامنة والعشرين من عمره عيّن اسقفا على كولونيا ، فقط كي يقضي سنوات كثيرة وهو يخفي رتبته عن الناس ، في تقديم الماء للناس ، والعمل في المطبخ .
كانت حياة القديس يوحنا الهدوئي حياة تواضع . وطوال عمره البالغ 104 سنوات ، فان راهب القرن الخامس هذا ، الناسك والاسقف بآن اثر خدمة الاخرين لا خدمة نفسه ، فقبل اكثر المهمات مشقة وصعوبة في حياته . .
وعندما عاش بين رهبان اخرين ، كان يقوم بأكثر الاعمال جهدا وازعاجا كي يتسنى لأخوته التفرغ للامور السامية . وعندما كان يعيش لوحده ، كان يقضي اكثر من ست سنوات يطوف القفار الجرداء . لقد تجرد القديس يوحنا من كل شيء . كان لأسابيع يتابع
كانت تحركه حماسة عظيمة لعبادة الله ، وكان هذا الناسك
العظيم لا يرى هذه الحرمانات ذبيحة او تضحية . وبدلا من ذلك ، كان يرى فيها سبيلا ملائما لتلبية احتياجاته الارضية ، فكان يستطيع ان يمضي معظم ساعات النهار بتأمل مبهج في عجائب الله القدير .
العظيم لا يرى هذه الحرمانات ذبيحة او تضحية . وبدلا من ذلك ، كان يرى فيها سبيلا ملائما لتلبية احتياجاته الارضية ، فكان يستطيع ان يمضي معظم ساعات النهار بتأمل مبهج في عجائب الله القدير .
ولد سنة 454 في المدينة الارمينية نيكوبوليس ، وفي عهد الامبراطور الورع ماريكان . كان القديس يوحنا وليد عائلة شريفة المحتد قدمت ضباطا كبارا وحكاما للامبراطورية عبر الازمان . وكان والداه كجديه ، ذوي ثقافة رفيعة ، وقد اكدا ان ابنهما سيحظى بأفضل ثقافة بما في ذلك معرفة واسعة بالاسفار المقدسة يوفرونها له .
اتقن القديس يوحنا دروسه جيدا ، وعندما رقد والداه انكراتيوس وافريميا ، وكان له من العمر 18 سنة ، قام على الفور ووزع معظم مقتنياته على الفقراء ، وانفق ما تبقى من المال لبناء كنيسة ودير كرسه على اسم القديسة مريم والدة الاله . ومع تسعة من الرهبان امضى هناك ست سنوات .
كان غيورا لايتعب في محبته ، فذاع صيت قداسته . وكان مكرما جدا حتى ان رئيس اساقفة سيباستيا لم يتردد في ترقيته اسقفا رغم انه كان في عقده الثاني . ولم يستغرب عندما اعرب الاكليريكيون عن خيبتهم من هذا الاختيار ، بينما هوكان يقول انه يؤثر جدا لو يبقى راهبا مغمورا متواضعا وغير معروف .
اطاع القديس يوحنا ، وامضى عشر سنوات في رعاية القطيع بامانة واخلاص . وذات ليلة ، بينما كان يصلي اضاء صليب ليل السماء خارج نافذته . في تلك اللحظة سمع الاسقف الخائف كلمات تقول : " اذا كنت ترغب ان تخلص ، اتبع النور . "
فاشتعل الصليب بلمعان عظيم ، فقام القديس يوحنا وتبعه حتى وصل الى دير القديس سابا ، واصبح فيه مريدا ( مبتدئا ) . انخرط في نظام الرهبان سنة 491 ، وكان له من العملا 37 سنة . لم يتفوه بكلمة عنه صفته كأسقف ، لابل قبل العمل كخادم ل 150 من الرهبان كانوا يعيشون في صرح القداسة . وطيلة الاثنتي عشرة سنة كان القديس يوحنا يحتمل اتعاب العمل بصبر دونما امتعاض او تأفف . وكان يحمل الماء والحطب للتدفئة . وكان يعد الطعام في المطبخ ، وينظف الموائد ، ويمسح الارض ، وكان اسعد انسان بين الاحياء .
ولكن عندما قرر القديس العظيم سابا نفسه ان يرقي هذا الراهب المتواضع الى الدرجة الكهنوتية ، وجد القديس يوحنا نفسه مرغما ان يفسر لبطريرك اورشليم نفسه ، انه اسقف . فترك وشأنه ، ليعيش في سلام ، فراح يمضي بضعة سنوات في هدوؤ وصلاة وتأمل . ثم بعد ذلك ، بدأ مجموعة جديدة من ست سنوات قضاها ناسكا في برية روبا المجاورة ، وهي مكان ناء عرف بسهولة الرملية الواسعة .
احب القديس يوحنا حياة البرية ، وعندما جرى تنبيهه بخطر وشيك سيحل بالرهبان من جراء هجمات بعض العصابات المحلية ، ابى ان يعود الى الدير للحماية والامان متذكرا كلمات بطل العهد القديم دانيال : " اذا كان الله لا يعتني بي ، فكيف اعيش ؟
وسرعان ما كوفىء على ايمانه .... فظهر بغنة اسد عظيم راح يلازم الراهب في الليل وفي النهار لحمايته من اللصوص المهاجمين . ورغم ان القديس كان بين الفينة والاخرى يخشى حارسه اكثر من خشيته من اللصوص ، الا انه ظل بأمان في كل تجواله .
في سنة 509 استجاب القديس يوحنا لنداء الرهبان ، فقرر العودة للحياة في دير القديس سابا . فعاش حبيسا داخل قلاية طيلة اربعة عقود . وطيلة اعتزاله هذه السنوات الطويلة للصلاة وخدمة الرب ، كان القديس يوحنا شاهدا على قوة الرب العجائبية . وفي مناسبة لا تنتسى ، على سبيل المثال ، بينما كان يطوف البرية ، تعب بغتة ، وخارت قواه من الجهد وقلة الطعام . فانطرح على الارض ، فهبت ريح عاتية حملته الى قلايته . لقد قطع القديس مسافة تربو على خمسة اميال في بضعة ثوان !
وفي مناسبة اخرى ، لاتقل دراماتية عن سابقتها ، طرد القديس المتواضع روحا شريرا كان يسكن في طفل فقط برسمه اشارة الصليب على جبينه ، ومسحه بالزيت المقدس .
وفيما بعد ، عندما رقد القديس العظيم سابا عن عمر ناهز 86 ، راح يتردد على القديس يوحنا في الحلم كي يعزيه ، وكان يقول له : لاتحزن ياابت يوحنا لأنني بعيد عنك بالجسد ، لأنني ميت ، الا اني قريب منك جدا . "
كان القديس يوحنا متواضعا جدا حتى انه كان يمزج الرماد مع الطعام ويتناوله . عاش عمرا مديدا فناهز ال 104 سنوات ، ثم رحل الى الرب سنة 558 . ان سيرته الطويلة في التواضع وخدمة الله القدير هي بمثابة امثولة عجيبة على المكافآت العجيبة والمذهلة المعدة للذين يتجردون من ملذات هذه الحياة للعيش مع الله .
بينما كان هذا العظيم يطوف براري فلسطين ، كان يتنكر لنفسه فيحجب عنها كل تعزية جسدية وكان يؤثر الاحتفاظ بالسلام والبهاء اللذين يفيضان من خيرية الله التي لا تنفد
كم من اناس في عالمنا اليوم ، ودون ان يختاروا ان يقوموا بذلك ، يحيون في ظروف اكثر بساطة وبدائية من التي اختبرها القديس يوحنا ؟ فليمنحنا الرب النعمة كي نحيا بأكثر بساطة كي يحيا الاخرون !