Friday, December 3, 2010

 القديس سابا المتقدس
5 كانون الاولكان بطريركا ذائع الصيت ، ومعلما لامعا للرهبان . ولأن نفسه كانت متواضعة حتى الاعماق ، فقد فهم جيدا ما يجب على الراهب ان يتعلمه كي يبلغ بحياته الروحية الى الكمال ، ويصبح متعبدا لله القدير بالكلية . انه معلم فذ موهوب ، يستخدم معرفته التي اقتنها بشق النفس ، كي يكوّن القوانين الروحية والخطوط التأملية التي ساعدت في قيادة الرهبان في عبادتهم اليومية في الخمسة عشر قرنا الماضية .
وفوق كل شيء ، فان البار سابا المتقدس ( 426 – 532 ) علم رهبانه اهمية عيش حياة بسيطة لا تصنّع فيها ، مرتكزة على خدمة انجيل يسوع المسيح ، ابن الله .
ان حادثة واحدة في حياة هذا الراهب العظيم والشديد التاثير ، تظهر لنا كم كان مهتما في تشجيع الرهبان على نكران الذات حتى الذين اثروا السبيل الرهبانية في العالم . لقد بدأت الحادثة بكل براءة ، في امسية صيفية دافئة في احد الاديار السبعة التي اسسها الراهب سابا في حياته . في تلك الامسية ، عيّن راهب يدعى يعقوب كي يرتب مائدة طعام العشاء لضيوف الدير .
وبعد اعداد الفاصوليا وتقديمها ، اكتشف الراهب الصالح انه الطنجرة ما تزال تحوي بقايا من الطعام . وبدون التفكير بما كان يفعله ، حمل الراهب الباقي من الفاصوليا ورماها من النافذة الى مكان مجاور .

وما لم يلاحظه الطاهي معد الفاصوليا ، هو ان سابا حدث ان كان يتأمل في تلك اللحظة من البرج الذي يطل على غرفة الضيوف في الدير ، ولاحظ ما فعله الاب يعقوب . فتصرف كما لو ان احدا لم يشاهده ، فخرج وجمع كل الحبات المبعثرة في الخارج .

ومرت ايام على الحادثة ، فدعا القديس سابا الاب يعقوب الى العشاء . وبعد ان انتهى الاثنان من تناول الطعام ، حدق مؤسس الدير ( القديس سابا ) بضيفه بهدوء ثم ابتسم . ثم اردجف يقول بكلمات اتت على النحو التالي : " سامحني يا ابت يعقوب ، قالها معتذرا ، اذا كان طعامي لم يعجبك " . فهز الاب يعقوب رأسه . ثم قال : على العكس ايها الاب القدجيس ، كنت سعيدا جدا . لابل اقر انني لم اذق طعاما لذيذا كهذا لسنوات !

فابتسم القديس سابا وقال : اذا انت تحب الطعام ؟ هل تعلم مصدر هذه الفاصوليا ؟ فقال له الاب يعقوب : وهل تتكلم عن الفاصوليا التي قدمتها لي ؟ فقال القديس سابا : انها الفاصوليا التي طرحتها انت من النافذة قبل ايام .

كانت في الحقيقة لحظة رهيبة ، حجبت وراءها فلسفة شخصية وسلوكا جعل سابا احد اكطثر البطاركة تكريما وتدريبا للرهبان في كل تاريخ الكنيسة الارثوذكسية المقدسة . فعلا ان تذكر حادثة الفاصوليا يجعل من السهل علينا ان نفهم كيف ان هذا الاب القديس وضع اول كتبه في القواعد والصلوات ( المعروف حاليا باسم تيبيكون اورشليم ، كي يستخدم في تنظيم حياة الاديار الارثوذكسية .

طيلة 80 سنة عاشها راهبا كان هذا الراهب القديس يتعلم نظام دعوته جيدا حتى انه عيّن في النهاية من قبل بطريرك اورشليم ،ارشمندريتا على جميع رهبان البرية في فلسطين .

ومع اقتراب نهاية حياته على الارض قام هذا الراهب القديس بخدمة جليلة فسافر الى القسطنطينية في مهمتين رسميتين ( لزيارة الامبراطورين البيزنطيين انستاسيوس والقديس جوستنيانوس الكبير ، كان من شأن هذه الزيارات ان حفظت تعاليم الايمان الارثوذكسي ضد الهرطقات التي كانت تنسل خلسة .

ولد في قرية صغيرة تدعى متلاصقة في المقاطعة الرومانية المعروفة باسم كابادوكيا ( منطقة في اسيا الصغرى ، تدعى تركيا اليوم ) . كان سابا ابن عائلة نبيلة معروفة ، وثرية . وفي سن الثامنة، فان الصبي الكبادوكي ذاق اول مرارة من الظلم الذي يسود هذا العالم . فأبوه ضابط في الجيش ، وقد انتدبته الخدمة للذهاب الى مصر ، فأخذ زوجته معه تاركا الصبي في عهدة عمه . الا ان عائلته الجديدة ، سرعان ما سقطت ضحية للمشاجرات والصراعات حول امور المال مع عم اخر ليوحنا ، واصبحت الحياة لا تطاق ، فقام الفتى وترك المنزل لينضوي في دير القديس فلافيان .

ولما اتعبه العالم الخارجي ، والصراعات القبيحة البشعة ، جاهد الصبي في عالم المتوحدين التأمليين . وفي الثامنة عشر من عمره ، رغب ان يختبر الحياة في اديار فلسطين ، فمضى الى دير باساريون ( اورشليم )بصحبة القديس افتيميوس الكبير، وصديقه القديم ، ورفيقه في الحياة الرهبانية ثيوكتيستوس الذائع الصيت . وفي غضون بضعة شهور ن تنبأ القديس افتيميوس ان هذا الشاب الجديد ، سوف يصبح في يوم من الايام معلما عظيما للرهبان ، وانه سوف يؤسس ديرا بنفسه .

كان القديس افتيميوس واضح الرؤيا ، الا ان الطريق الى البروز طويل وصعب وشاق امام هذا الشاب الكبادوكي الذي عزم على ذلك . وبعد موت معلمه ، ترك القديس سابا الدير ومضى الى مغارة نائية امضى فيها قرابة خمس سنوات ناسكا منقطعا عن العالم . اثناء ذلك ، سار في الجهاد الروحي نحو الكمال وبدأ يجتذب القندلفتيين الذين راحوا يرجونه ان يدربهم على نظامه الرهباني من اجل مجد الله القدير والعظيم . ولم يمض وقت طويل ، حتى ازداد عدد تلاميذه فشعر انه مجبر على بناء كنيسة لهم الى جانب عدد من القلالي الرهبانية يطبقون فيها مبادئه الروحية .

وعندما مات ابوه الروحي ، عادت امه اليه للاسترشاد . ولم يمض وقت طويل حتى اقنعها توجيهه ان تبدأ سيرة جديدة كراهبة . فكان لها قلاية خاصة بها ، عاشت فيها سيرة نسكية وتأملية الى حين رقادها . اثناء ذلك استمر القديس سابا على السير في طريق الكمال في حياته الداخلية . وكما اشار كثيرون من الدارسين على مر العصور ، فان القديس سابا قاتل بقوة ضد الشياطين التي حاولت ان تهدم ايمانه ، وتبدد اعماله الصالحة . وعلى جبل كستيليوم ، وفي احدى المناسبات ، حارب ضد قوى الظلام ، فهزمها ، وهناك اسس ديرا اخر في ذروة الجبل حيث الرياح العاتية .

وفي العقود التالية ، اسس القديس سابا مجموعات من القلالي الجديدة للرهبان . ومع صديقه وجاره التأملي ثيودوسيوس العظيم اصبحا مفكرين رهبانيين طليعيين في الكنيسة المقدسة ، بينما كانا يحققان تراثا من الصلوات والممارسات ماتزال الى اليوم حجر الزاوية للعبادة الارثوذكسية في كل مكان .

رقد بالرب في الدير الفلسطيني الذي سبق ان اسسه قبل عقود ، وحمل الدير اسمه . وبعد ان اختار خليفته بانقطاعه الى الله طيلة اربعة ايام ، غادر العالم في الخامس من كانون الاول سنة 532 عن عمر ناهز 94 .

ماذا يمكننا ان نتعلم من هذه السيرة الرهيبة التي لهذه الشخصية الاسطورية الرفيعة التقوى والاكثر تنكرا للذات بين المتعبدين في تاريخ الكنيسة المسيحية الارثوذكسية ؟ لعل اعظم امثولة هي في التواضع الاصيل والعميق الذي الهم القديس سابا ان الفاصوليا لا ترمى للقمامة بعد وجبة المساء في الدير !ان حياة هذا القديس العظيم تعلمنا اننا عندما نكون متواضعين بحق ، فالله القدير يرفعنا الى ذرى المنجزات التي يتعذر تخيلها ووصفها .

ولما كنا في معظمنا ، لم ننل الدعوة كي نصير نساكا فان نموذج سابا في الصلاة ، في الطاعة الى رؤسائه ، والاهتمام بالامور التي لله ، فهذه كلها تعزية لنا جميعا . ومن جديد ، فقد اظهر لنا انه علينا ان نسعى الى علاقة اعمق مع الله في اي نمط من الحياة كنا نعيش .

طروبارية باللحن الثامن

" للبرية غير المثمرة بمجاري دموعك امرعت ، وبالتنهدات التي من الاعماق اثمرت باتعابك الى مئة ضعف ، فصرت كوكبا للمسكونة متلألئا بالعجائب ياابانا البار سابا ، فتشفع الى الى المسيح الاله ان يخلص نفوسنا . "

قنداق باللحن الثامن

"ايها المغبوط سابا ، بما انك منذ الطفولية قدمت بالفضيلة ذبيحة لا عيب فيها ، لله العارف بكقبل ان تولد ، غدوت جمالا للابرار وساكنا في القفر ، تستحق المديح ، فلذلك اهتف نحوك قائلا : السلام عليك ايها الاب الدائم الذكر . "