Thursday, December 2, 2010

 البار يوحنا الدمشقي
4كانون الاول
كان راهبا ورعا ، وكاتبا للتسابيح عظيما ، ولاهوتيا عميق التأثير ، ومحاربا نبيلا قاتل الهرطقات من اجل تثبيت حقيقة ربنا يسوع المسيح الخلاصية . في بداية تاريخ الكنيسة المقدسة ، عدّالقديس يوحنا الدمشقي ابا محبوبا ساعد حضوره الملهم على نشر الانجيل الشريف في كل حدب وصوب .
ولد في دمشق ( اليوم عاصمة سوريا ) ، لوالدين ثريين عرفا بالتقوى المسيحية العميقة . اسم عائلته منصور الاكثر اريستوقراطية في دمشق القرن السابع للميلاد .ولد حوالي سنة 675 م .
تربى مع شقيقه بالرضاعة القديس قبزما ، على يدي ابيه سيرجيوس الذي حظي برتبة مرموقة في بلاط خليفة دمشق . تربى القديس يوحنا الدمشقي على يدي راهب عرف باسم قزما الذي كان قد سبق له ان افتدي كعبد في سوق ، في ايطاليا . وفي عهدة المعلم كطوزما اللامع ، اصبح الدمشقي فيلسوفا عظيما . وبعد ان خدم كمستشار لدى الخليفة عمد على العمل لبلورة الافكار اللاهوتية للكنيسة المقدسة .
ان الحكمة العظيمة التي تمتع بها المعلم قوزما ، والتأثير الذي كان له على القديس يوحنا الدمشقي ، يمكن ملاحظته في رسالة بليغة بعث بها الى والد يوحنا وقوزما اخيه في الرضاعة ، عندما استعدا لانهاء الدراسة والخروج الى العالم : " سيدي ، لقد تحققت امنيتكم – كتب هذا المعلم يقول – لقد ابلى ولداكما بلاء حسنا حتى انهما تجاوزاني في المعرفة . والشكر للدراسة الجيدة
 والتعب المجتهد اللذين بهما بلغا اعماق الحكمة " .
" وقد زاد الله في المواهب الممنوحة لهما ، ولا يمكن ان يأخذا مني المزيد . حقا ، انهم مستعدان لتعليم الاخرين . لذا اتوسل اليك يا سيدي ان تأذن لي بالتوجه الى دير اكون فيه تلميذا لرهبان اتموا الكمال ، فيعلمونني الحكمة السامية . اما الحكمة الخارجية التي اتقنتها فمن شأنها ان تؤدي بي الى الفلسفة الروحية ، الى حكمة اكثر نقاوة وكرامة من اي علم دنيوي ، فهي نافعة للنفس ومن شأنها ان تقودها الى الخلاص . "

القديس يوحنا الدمشقي اداري فذ موهوب وديبلوماسي حذق حظي بنجاح عظيم بعد ان امضى سنواته الاولى شخصية مرموقة لدى الخليفة عبد الملك ( 685 – 705 ) . الا ان شفافية السنوات الاولى سرعان ما تحولت الى صراع عنيف فقد اجتاح الدمشقي سلسلة من صراعات عنيفة وصاخبة داخل الكنيسة المقدسة .

وفي صميم الصراع الديني كان ثمة عدم اتفاق مستمر حول تكريم الايقونات . وهذه المسألة الساخنة والمختلف عليها التي حاول فيها مناهضو تكريم الايقونات ، منعها ، لأنهما اعتبروها ضربا من عبادة اصنام ، سوف تزداد عنفا وتأججا في عهد محارب الايقونات بضراوة الامبراطور لاون الثالث الاشوري ( 717 – 741 ).

منذ البداية ، شجع الشجاع يوحنا الدمشقي على استخدام الايقونات في العبادة ، ودف ثمنا باهظا مقابل ذلك . فاحتدم الامبراطور غيظا من تعاليمه ومن دفاعه الغيور عن الايقونة المقدسة . واستطاعه الامبراطور ان يقنع الخليفة ان يوحنا كان يخونه . وبالنتيجة اثار حفيظة الخليفة ، فأمر بأن تقطع يد يوحنا اليمنى .

وكانت خطة الامبراطور خبيثة ، فقد استطاع بمعونة بعض المزورين ، ان يولّد رسالة مزورة ، تدل على انها من وزير الخليفة ( القديس يوحنا ) ، وفيها بدا القديس يوحنا كما لو انه يحرض الامبراطور على مهاجمة دمشق ....ز.بحجة ان الجيوش التي تحمي المدينة ضعيفة كي تدافع عنها !

عندما استلم الخليفة الرسالة احتدم غيظا . فالامر ليس اقل من خيانة !وللحال جاء القصاص : اذا كان الخائن قد استعان بيمناه لتدوين هذه الرسالة الخداعة ، فعليه ان يفقدها بفأس الجلاد . فكان امر . وما اعقب سيل الدم بدا متحديا لشروحات العقل . وبعد ان استرد القديس يوحنا يمناه من الخليفة الظالم ، حملها في ذلك المساء الى احدى الايقونات المقدسة التي تخص والدة الاله . وهناك صلى بحرارة امامها . وبعد ذلك غط في النوم لبضعة دقائق . وعندما استفاق وجد ان البتول المغبوطة كانت تخاطبه وتقول : " لقد اعيدت اليك يدك ، فلا تنزعج بعد الان . انما قم وعد الى عملك ، واعكف عليه باجتهاد ككاتب حاذق كما وعدتني . "

وما هي الا ثوان ، حتى ادرك القديس ان يده المفقودة عادت والتحمت في مكانها ، والانسجة الممزقة قد شفيت تماما . فادرك القديس يوحنا ان اعجوبة رهيبة حدثت . ففرح جدا للشفاء الحاصل وبدأ ينشد ترنيمة جديدة " يدك اليمنى يارب بهية في القوة . يدك اليمنى قد شفت يدي وسحقت اعداءك الذين لا يهابون وجهك الكريم وامك الطاهرة . وهي التي سوف تهشم الذين سيدمرون الايقونات ، فيتعظم مجدك ".

فعلم الخليفة بأمر الاعجوبة ، ولما ادرك فداحة ما فعل ، توسل الى القديس يوحنا كي يسامحه ويبقى لديه مستشارا في بلاط دمشق . الا ان يوحنا لم يعد قادرا ضميريا ان يستجيب لرغبته ، فبعد ان ناضل للحفاظ على الايقونات ، تاقت نفسه الى الحياة الهادئة السلامية في الدير . وما اراده في ذلك الحين هو ان يسمح له بالصلاة والصوم وتأليف الترانيم بعيدا عن الخداع السياسي في البلاط المكتظ بالناس .

دخل القديس المتواضع دير القديس سابا الشهير الواقع على بضعة اميال من اورشليم ، وفيه اصبح مثالا للنسك ونكران الذات والطاعة . ولما كان يحتفل بحياته الجديدة كمحب للرب ، فقد امضى سنين كثيرة يدون الترانيم الكنسية الذائعة الشهرة في كل الكنيسة المقدسة . وبين الاعمال التي وضعها هناك مقطوعات لمراسيم الدفن : المعزي ( كتاب الالحان الثمانية ) ، قطع الارمس ، وقانون الفصح . الا ان هذا الكاتب الموهوب وضع اعمالا في اللاهوت سوف تكون مصدر الهام وارشاد لكل العالم .

ان حياة جديدة توشك ان تبدأ في هذا الراهب الوقور . الا ان هذا يتسم بنضال مرير في بعض الاحيان . وبعد ان انضوى الى الدير ، فان محبة يوحنا للانسانية المعذبة سوف تقوده من جديد الى صراع اخر سوف يتهدد عالمه .

وحدث ان احد الرهبان رفاقه ، حزن جدا لوفاة شقيقه فطلب من المستشار السابق في البلاط ان يدون ترانيم الجناز لأخيه الفقيد . فوافق القديس يوحنا للحال علما ان رئيسه الروحي المتواضع جدا والحازم ايضا ، كان قد اوصى يوحنا ان يتجنب الكتابة او الكلام مع اي انسان في امور دنيوية . ولكن عندما علم ابوه الروحي بترانيم الجناز منعه من ملازمة قلايته في الدير .

فحزن يوحنا ، الا انه رضخ واطاع ، وقبل ان ينظف كل الدير كثمن لاعادته . ولحسن الحظ ان رئيسه خضع لتوبيخ والدة الاله المباركة على موقفه . فقد ظهرت له مريم البتول وطلبت منه انه عليه من الان فصاعدا ان يسمح للقديس يوحنا ان ينظم الترانيم بسلام !

كان يوحنا كاتبا ومفكرا ذا حضور اخاذ . وهو لم يرفض ما تقدم به مناهضو الايقونات في كتابه " الايقونات الالهية " ، بل ايضا دوّن حججا لاهوتية ضد صلاحية الاسلام . ولعل اعظم موهبة عند يوحنا مساهمته الدقيقة والشفافة في صياغة العقائد الارثوذكسية القيّمة والتي كان من شأنها ان ساعدت في تشكيل وحفظ الايمان الحقيقي الواحد في وجه الهرطقات .

وفي القرون التي اعقبت هذه الكتابات ، فقد اعتمدت المرة تلو الاخرى لمحاربة الافكار الخاطئة عن الانجيل الشريف والمحافظة على المؤمنين بثبات راسخين على التعاليم الاساسية التي في دينهم الملهم من الله .

سامه بطريرك اورشليم كاهنا . ثم ان هذه الشخصية العظيمة الكثيرة الضياء ، رقد بالرب بسلام حوالي سنة 760 بعد ان كان اخوه في الرضاعة قد عين اسقفا على ميوما . كان في ال 75 من عمره عند رقاده بحسب اغلب مؤرخي الحقبة .

تسلح القديس يوحنا على الدوام بالقول الشهير : " كيف لي ان لا اصور الاصدقاء " ، وبهذا القول حارب دفاعا عن الجوهر المقدس الذي للايقونات . اما مقالته العظيمة " ضد مناهضي الايقونات " ، فتبقى تحفة لاهوتية الى اليوم .

ورغم شهرته ككاتب ومفكر ، فالقديس يوحنا الدمشقي كان راهبا متواضعا كان يحلم فقط ان يعبد الله في ركن ما منسي من الامبراطورية حيث يستطيع ان يصلي ويكتب ترانيمه بسلام مغبوط . ان عمق تواضع يوحنا يمكن ان يلاحظ بوضوح في حادثة تكشف بجمال موقفه من نفسه . لقد امره ابوه الروحي يوما ان يبيع السلال في اسواق اورشليم كعامل بسيط ، اما يوحنا فلم يطع الاوامر فحسب ، بل قام بالمهمة و راح يستمتع بيع السلال للعابرين بحرارة !

انه لمن الصعب ان تتخيل كاتب " عرض الايمان الارثوذكسي " وهو يبيع السلال بفخر واعتزاز . القديس يوحنا لم يتردد في القيام بالعمل . لأن هذا الراهب المتواضع جدا - الذي لاهوته سوف يلهم المفكرين في العصور الوسطى ، لاحقا ، من امثال توما الاكويني والسكولاستيكيين – ليس في عينيه عمل حقير يقوم به في خدمة الله القدير.

ان حياة القديس يوحنا الدمشقي تقدم لنا امثولات قيّمة عن النعمة التي يرسلها الله في كل لحظة ، سواء كنا ننظم قصائد لا قيمة لها او مقالات ، او كنا ننظف الارض ايضا . انه واحد من اعظم المفكرين في تاريخ الكنيسة المقدسة ، ومع ذلك فهو راهب بسيط لم يكن يريد الا ان يسبح الرب ويمجده من اعماق نفسه المتنكرة لذاتها .

وبينما كان يقتبس عن الاخرين كي يشرح اللاهوت المسيحي ، ويدحض بدعة مناهضي الايقونات ، الا ان غيرته من اجل الحقيقة ، ومحبته لله ، ساعدته ان يقولب هذه المصادر القديمة ويحولها الى رسائل شديدة الوقع والتأثير من شأنها ان تجلب كلمة الحق الى جميع الناس في زمانه .

طروبارية باللحن الثامن :

"ظهرت ايها اللاهج بالله يوحنا ، مرشدا الى الايمان المستقيم ، ومعلما حسن العبادة والنقاوة ، يا كوكب امسكونة ، وجمال رؤساء الكهنة الحكيم ، وبتعاليمك انرت الكل يا معزفة الروح ، فتشفع الى المسيح الاله في خلاص نفوسنا . "

القنداق باللحن الرابع :

" لنسبح ايها المؤمنون كاتب التسابيح معلم الكنيسة ومصباحها ، يوحنا الموقر ، المقاوم الاعداء ، لأنه حمل سلاح صليب الرب ، فصادم به ضلالة المبتدعين كلها ، وبما انه شفيع حار عند الله ، فهو يمنح الكل ، غفران الزلات . "