Monday, November 15, 2010

القديس الرسول متى الانجيلي
 16تشرين الثاني
كان متى عشارا محتقرا في كل مكان ، وجابيا للضرائب مرذولا يعمل لدى الامبراطورية الرومانية ، ومع ذلك فقد اصبح واحدا من البلغاء في كل تاريخ المسيحية ، الذين كرزوا بالانجيل الشريف .
كان خاطئا كبيرا ، وقد عرف هو نفسه ذلك . لقد فهم جيدا ان جباة الضرائب في فلسطين القرن الاول للميلاد ، كانوا محتقرين في كل مكان وذلك لكونهم لصوصا جشعين لايتوقفون عند شيء ، حتى يسرقوا كل قرش ممكن من الناس . ومتى لم يتنكر لذنبه وجريمته . كان يطوف شوارع كفرناحوم ، مسقط رأسه ، في منطقة الجليل الفلسطينية . وقد استغل سكانها البسطاء ايما استغلال ، فوضع اليد على ممتلكاتهم .
وبالرغم من اثامه فان اعجوبة عظيمة حدثت مفادهالا الحقيقة الاهم في كل الانجيل : المسيح يحب الخطأة .
ابن الانسان لم يأت الى الارض ليخلص الابرار ، بل كي يقدم الخلاص للذين جاهدوا تحت اثقال خطاياهم !وعندما راح يسير في شوارع فلسطين مع صديقه الجديد ( متى ) ، كان يتناول طعامه معه ، في بيته ، وكان الكتّاب ذوي الب ر الذاتي والفريسيون على نحو خاص ، يحتدمون غيظا . كيف يجسر ان يمضي وقته مع جاب للضرائب نفسه سوداء بفعل الخطيئة .
ولسوء الحظ فالكتبة والفريسيون اخفقوا بالكلية في فهم الحقيقة المركزية في الانجيل الشريف ، ومفادها ان يسوع جاء الى العالم من اجل الجميع ، سيما من اجل الذين اسوّدت نفوسهم بالخطيئة .
وليس من مكان تظهر فيه القوة الخلاصية والشفاء الا في حياة جابي الضرائب في الارض المقدسة ، الي سوف يولد من جديد في خدمة يسوع المسيح . بعد اهتدائه سوف يعيد متىكل ما قد اختلسه من اصحابه اضعاف اضعاف ، مستميحا اياهم على الاساءة والاذى التي الحقها بهم .
كان متى مبشرا عظيما ، وشهيدا قديسا لم يفقد البتة ايمانه بالله . الا ان اعظم عطية اسهم بها ، هي الوثيقة التي دونها في السنوات التي اعقبت صلب يسوع وقيامته : انها السفر الاول في العهد الجديد المعروف بالانجيل بحسيب متى .
بدأ تحوّل متى في كفرناحوم عندما سمع المخلص يقول الكلمات التالية : هلم ورائي :
تحرك متى بالروح ، وكان عاجزا ان يقاوم الامر الذي سيغير مصيره . فقام للحال وعمل بما قيل له . وفي لحظة ، تخلى متى عن عمله ، وسار وراء المخلص . ولماذا حصل ذلك ؟ الجواب لغز يتجاوز العقل البشري . ولكن بكل تأكيد لم يكن شيء في ماضي متى يوعز له ان تغييرا ما سوف يحصل في حياته في يوم من الايام .

عرف متى باسم لاوي . اما كلمة متى فتعني : عطية الله . كان متى ابن عامل كادح يدعى حلفا . ما ان سمع متى الامر : هلم ورائي ، حتى تحوّل هذا العشار المغمور ، الى انسان اخر بالكلية . وفي السنوات التي اعقبت اهتداءه ، كان يكرز بالانجيل طيلة ثماني سنوات في فلسطين ، ومن ثم في بلدان اجنبية اخرى .

وقبل ان يغادر هذا العالم ، قام متى بنقل بشرى الخلاص ذات الايمان الجديد الى البريثيين والمديانيين والى اخرين ، واخيرا نقلها الى الاثيوبيين المتوحشين في افريقيا ، حيث كلفه الامر في النهاية- ومن اجل الوفاء للمسيح ، فضلا عن عناده الشجاع في سبيل البشارة – حياته .

اما جهاداته في اثيوبيا ، فسوف يذكرها كثيرون من المسيحيين كأمر بارز في حياة هذا الشهيد القديس ، وفي التزامه بالبشارة بيسوع المسيح . وبعد ان هدى الى الايمان كثيرين في تلك الاسقاع المتوحشة والامية ن قام بتعيين احد تلاميذه الاوفياء افلاطون الثابت الايمان اسقفا على مدينة ميرمينا الاثيوبية ن ومن ثم انكفأ في جبل مجاور .

عاش متى لبعض الوقت في الصلاة السلامية والتأمل . وعندما زوجة وابن امير الحبشة ، تحدد مصيره ، فقد اغتاظ الامير ، واحتدم غضبه من هذا الايمان الجديد ، فأرسل الجند كي يلقوا القبض على هذه الشخصية الروحية ، وزجه في السجن .

وهناك حدث امر غريب ، اذ بينما كان الحراس يقتربون ممن كان يجبي الضرائب ، لألقاء القبض عليه ، غشيت عيونهم سحابة حالت دون اية رؤية او مشاهدة صافية . لقد علموا ان متى قريب منهم ، الا انهم لم يكونوا يقدرون ان يروه ، فظل الرجل وكأنه غير منظور .

وهكذا اصابهم الاحباط والخيبة فضلا عن الهلع ، فقام الحراس وقفلوا عائدين الى البلاط ، وهناك وصفوا للامير ما قد حصل : الرجل القديس الذي تجرأ ان يعمد عائلة الطاغية ، ارتدى ثياب الاخفاء . فاحتدم الامير غيظا ، وقام وامر مجموعة ثانية من الجند بالتوجه الى المكان .

ومن جديد ، انتهى الامر باخفاق ذريع ، وكانت حالة المجموعة الثانية اسوأ من الاولى ، فهؤلاء عندما دنوا من الرسول متى ذهلوا لما لاحظوا ان بريقا خاصا كان ينبعث منه ، ونورا غير مادي كان يغمره . فخافوا والقوا اسلحتهم مطلقين سيقانهم للريح حتى وصلوا الى البلاط بلاط فلفيان فبيّنوا عجزهم ، وابوا العودة الى ملاحقة القديس .

ها قد نال الامير ما يكفي الان . وبعد ان فرغ صبره ، قرر هو نفسه ان يقوم بالحملة لألقاء القبض على الرسول القديس . وما ان دنا منه حتى لمع المكان كله بنور مبهر ، افقده بصره ، فوقف عديم الحركة ، وراح يرتجف هلعا . اما متى فشعر بالشفقة على الامير واعوانه ، ثم قام ورفع الصلاة الى الله كي يعيد البصر للامير الاعمى .

وعندما ادرك الامير ان بصره عاد اليه ، شكر متى على صنيعه ، الا انه سرعان ما انقلب عليه ، فقيده ، وجعله وسط الحطب وراح يسكب عليه الفت والزيت . لم يحرك متى ساكنا . فقام الامير واضشرم النار في الحطب ، فارتفعت السنة اللهيب واخذت تزمجر في اشتعالها دون ان تمس جسد القديس . ومع ذلك فالقديس متى ادرك ان نهايته وشيكة ، فارتفعت نفسه الى العلاء لملاقاة جزائها المجيد .

انذهل الامير امام هذه الاحداث ، الا ان قلبه كان قد اظلم ، ولأنه لم يكن بعد قد ادرك رسالة القديس متى ، وان المسيح يحب الخطأة ، وقد جاء من اجل خلاصهم ، قام فلفيان الظالم وامر ان يلف جسد متى بأكفان من الرصاص ، ورماه في البحر .

وما ان اتم عمله ن حتى ظهر القديس الشهيد للاسقف الوفي افلاطون ، في حلم ن واوعز اليه بالتوجه الى المكان حيث الكفن الرصاصي ، فحدد الاسقف الصالح مكان بقايا القديس . وعندما رأى الامير الاعجوبة التي حدثت ، اقتنع بحقيقة يسوع المسيح ، فاهتدى واعتمد على يد الاسقف افلاطون نفسه الذي بعبقرية فذة قرر ان يعطيه – في المعمودية – الاسم المسيحي : " متى " .

منذ ذلك الحين ، رقي الامير التائب الى الدرجة الكهنوتية ، وعاش عيشة مسيحية مثالية . حتى انه عندما رقد بالرب الاسقف افلاطون ، تراءى الانجيلي للامير سابقا ، في حلم ، وشرح له ان الاسقف التالي على الحبشة سيكون الامير فلفيان الذي كان فيما مضى طاغية مستبدا .

اما اعجوبة اهتداء الامير ، فلم تكن الحدث الوحيد الذي جرى في الحبشة . ففي مناسبة اخرى وبعد ان ظهر الرب لمتى في هيئة شاب مجلبب بالنور ، وقد له عصا ، قام متى وحمل العصا وغرسها عند باب الكنيسة . وللدهشة ، فقد افرعت بعد حين ، ونمت واعطت ثمارا . اما عند جذورها فكان يجري جدول صغير . وعندما كان الحبشيون - وكثيرون منهم كانوا من اكلي اللحوم ، بحسب مؤرخي الحقبة ،يأكلون من ثمرة الشجرة ، ويشربون من ماء جدولها ، كانوا يشفون ، ويصبحون محبين للسلام ، ويمتلأون من روح الرب .

كتب الانجيلي متى بشارته ، السفر الاول من العهد الجديد ، في العبرية العامية المعروفة بالارامية . وفيما بعد نقل السفر الى اليونانية ، ومن ثم الى اقاصي الارض . وهذه الوثيقة الجزيلة الثمن صاغها متى في فلسطين ، في منطقة الجليل حوالي سنة 40 م بحسب معظم مؤرخي الحقبة .

كانت سيرة متى مثالا عن محبة المسيح لجميع الخطأة . وفي دنيا الجليل في القرن الاول للميلاد لم يكن من انسان محتقر كالعشار ، الجابي العامل لدى الرومانيين المحتقرين ايضا والملغضين ، الذين حكموا فلسطين القديمة .

ومع ذلك فان يسوع اختار جابي الضرائب نفسه ليس فقط كي يكون واحدا من تلاميذه الاثني عشر ، بل ايضا كي يكون واضعا لأحدى اهم الوثائق في تاريخ المسيحية .

ما كان بالامكان ان تكون حياة متى سهلة ، بل هو كان منفتحا على نعمة الله ، فتخلى عن كل ما كان يملكه ، بما في ذلك حياته ايضا ، من اجل المسيح .

وقصة اهتداء متى الانجيلي ، والعيد الذي رتبه ، ترينا بعض وجوه المحبة العظيمة التي يكنها يسوع لجميع الناس . لقد بلغت محبة يسوع المنبوذين اجتماعيا ، حتى انه جعل احدهم رسولا وهو نفسه وضع الانجيل الذي يحمل اسمه .

علينا ان نبدي الرغبة في ان نسير على خطى الرب ، فنفتقد المرضى، الخطأة ، وكل الذين غير المرغوب بهم ، فندعوهم كي يصيروا اعضاء في جسد يسوع المسيح .

ابوليتيكيون باللحن الثالث :

"ايها الرسول القديس متى الانجيلي تشفع الى الاله الرحيم ، ان ينعم بغفران الزلات لنفوسنا . "

قنداق باللحن الرابع

" لما طرحت ميزان التعشير ، انحزت الى ميزان العدل ، وظهرت تاجرا كلي الفضل ، واحرزت غنى الحكمة التي من العلى ، لذلك كرزت بقول الحق ، وانهضت نفوس الكسالى ، بما كتبت عن ساعة الدينونة . "