الملعقة المقدسة
الأب أنطوان ملكي
أحد الهموم التي يعبر عنها بعض المؤمنين الذين يشتركون بالقداس الإلهي ويتناولون جسد ودم السيد الكريمين، هو حاجتهم إلى أن يتناولوا بالملعقة نفسها التي يتناول منها الآخرون. الحقيقة هي أنه كما يشترك عدد من الكهنة بالمناولة من كأس واحدة كذلك الأمر بالنسبة للمؤمنين إذ يشتركون بالملعقة الواحدة. أما الخوف الذي يعبَّر عنه فهو التقاط عدوى أو بعض الجراثيم أو غيرها من الأمراض التي قد ينقلها الاحتكاك بلعابٍ أو بأحمرِ شفاه مصدره شخص آخر تقدّم إلى
المناولة. فالسؤال الذي يطرحه هذا الموضوع هو: هل من داعٍ لهذا الخوف؟
الضعف البشري يبرر هذا السؤال. الجواب الفوري هو لا. من وجهة نظر مايكروبيولوجية بحتة، نسبة الكحول عالية جداً في النبيذ الأحمر الحلو الذي يستعمل في المناولة. هذا يعني أن فرص الحياة عند الباكتيريا أو الجراثيم هي بالواقع شبه معدومة. مع أننا جميعاً نتناول جسد المسيح ودمه فالجراثيم غير المرئية التي قد تلج فمنا من الشخص الذي سبقنا بالمناولة هي بلا ضرر. فمن وجهة نظر اختبارية صرفة، لا يسجل التاريخ أن أي كاهن مرض أو أصيب بأي ضعف بعد تناوله القدسات، علماً أن الكاهن يتناول في نهاية القداس كل ما يتبقى في الكأس بعد كل المؤمنين. وفي النهاية، من وجهة نظر روحية، القدسات هي بالتحديد مقدسة أي ممتلئة من كامل حضور الرب ونعمته، وهي عطايا إلهية لا بشرية "لأن كل عطية صالحة هي من لدنك يا أبا الأنوار" (من صلاة خلف الأمفو في نهاية القداس الإلهي). إذا كنا فعلاً نؤمن بالله، فسوف نعرف تماماً أن الله لا يسمح لأي ضرر بأن يأتي إلينا خاصةً عبر المناولة المقدسة. كما ذكرنا سابقاً، الضعف البشري يبرر هذا السؤال، لكن البشر لم يتخطوا هذا الضعف إلا بالإيمان.
مهم لنا أن نعرف أن المناولة عند المسيحيين الأوائل كانت تتم بطريقة مختلفة كلياً عن ما نمارسه. فقد كان المؤمن يأخذون من الكاهن قطعة من الخبز المتحوّل في يديهم، من ثم يشربون مباشرة من الكاس، تماماً كما يتناول الكهنة اليوم. بالواقع أن بعض الليتورجيات القديمة، كالقداس الإسكندري للقديس مرقس الأورشليمي للقديس يعقوب، ما زالت تدعو المؤمنين إلى المناولة بهذه الطريقة. لكن الكنيسة، خوفاً من وقوع حوادث مفاجئة، اعتمدت مع الزمن طريقة فيها يخلط الكاهن الأجزاء ويضعها بتأنٍ على لسان المؤمن الذي يدخلها إلى فمه. منذ القرن التاسع عشر، انتقلت الكنيسة المقدسة إلى طريقتنا التي نمارسها اليوم أي باستعمال الملعقة.
الخوف من انتقال المرض في المناولة هو ضعف في الإيمان أو استخفاف بالقدسات. لهذا، وفيما لا يوجد أي مبرر للخوف من المرض، من الضروري أن يتبع كل المؤمنين بعض الأمور الأساسية عند مقاربة الكأس المقدسة. طبعاً، لن نتطرق إلى موضوع الاستعداد للمناولة وما يسبقها من صلوات في الغروب والنوم والسحرية، بل سوف نكتفي بالكلام عن الأمور عند المناولة، إذ إن ما يتم تطبيقه يختلف بين مؤمن وآخر وكاهن وآخر. أولاً، من الضرورة مسح الفم جيداً بعد المناولة. هذا يمنع الأجزاء من الوقوع عن غير قصد على الأرض. أيضاً، من الضروري للنساء اللواتي يضعن أحمر الشفاه أن يمسحنه قبل المناولة والأصح أن لا يضعنه عندما يأتين إلى الكنيسة. إن هذا لا يُظهر فقط الاحترام الموافق لجسد المسيح ودمه، بل أيضاً يظهر احترام الإخوة المشتركين في الخدمة والراغبين في المناولة. أخيراً، عند المناولة، قد يفضل البعض أن يفتحوا أفواههم بشكل واسع ليسمحوا لكي لا تلامس الملعقة أفواههم. هذه الطريقة تؤدي أحياناً إلى إيقاع القدسات، لذا مستحسن في حال اتُبعت ألاّ يرمي الكاهن القدسات بل أن يسكبها في الفم دون أن يلزم المؤمن بمسح الملعقة.
في الختام، ما يكمّل الخدمة ويقدّس المؤمنين ويضمن صحة الممارسة وعدم وقوع حوادث تهدر الجسد والدم على الأرض هو الإيمان الصحيح بأن هذا الذي نتناوله هو فعلاً جسد المسيح ودمه وأنه لشفاء النفس والجسد. مَن يقرأ سير القديسين يرى حالات كثيرة من الأمراض والتجارب شفتها المناولة التي أتت بعد استعداد صحيح وتوبة صادقة واستجابة لإيمان مستقيم.