Thursday, September 2, 2010

إنجيل برنابا" إنجيل زور
بمناسبة السجال الدائر في البلد بشأن مسلسل "السيد المسيح" الذي يعتمد مرجعية "إنجيل برنابا"، طلبنا من الأب جورج (مسّوح) أن يكتب عنه.
ثمّة صنفان من الأناجيل: الأناجيل القانونيّة الصحيحة التي اعتمدتها الكنيسة بناءً على التقليد الرسوليّ وهي الأناجيل الأربعة المعروفة لدينا مرجعًا أساسيًّا للإيمان المستقيم؛ أمّا الصنف الثاني فهو المسمّى بـ"الأناجيل المنحولة" وهي تلك الأناجيل التي ظهرت في المائتي عام الأولى من عمر المسيحيّة ورفضتها الكنيسة لأنّها تتضمّن تعاليم مشوّهة وشهادات خاطئة عن الربّ يسوع (انظر مقالة "الأناجيل المنحولة"، رعيّتي، العدد 39، 2009). "إنجيل برنابا" لا ينتمي إلى أيّ من الصنفين المذكورين، فهو كتاب مزوّر دوّن في أوروبا في القرن السادس عشر على الأرجح، على يد راهب إيطاليّ اعتنق الإسلام، ولذلك نجد فيه تأكيدًا لما يقوله الإسلام عن السيّد المسيح وتعاليمه، وبخاصّة ما يتعلّق بموضوع الصلب. 
ما يؤكّد هذا القول عن إنجيل برنابا المزوّر هو أنّ أقدم مخطوطة له ترقى إلى نهاية القرن السادس عشر وتوجد في مكتبة بلاط فيينا باللغة الإيطاليّة. ويجزم المستشرقان الكبيران نلّينو وجويدي أنّ هذه المخطوطة لا تتضمّن نصًّا تُرجم عن اللغة العربيّة إلى اللغة الإيطاليّة، لأنّه لا يحمل سمات الترجمة، بل هو نصّ دوّن أصلاً باللغة الإيطاليّة، أي أنّ مؤلّفه إيطاليّ لا عبريّ ولا عربيّ ولا ساميّ. ويسعنا أن نضيف حجّة جديدة لاحظها علماء اللغة، وهي أنّ الأسلوب الذي أُنشئ به هذا الإنجيل المزعوم هو الأسلوب الأدبيّ الذي شاع بعد الشاعر الكبير دانتي (1265-1321) كاتب "الكوميديا الإلهيّة"، ولهذا يردّ بعض الباحثين كتابة هذا الإنجيل إلى الفترة الواقعة ما بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر.
كثرة الأخطاء التاريخيّة والجغرافيّة الفادحة التي يمتلئ بها هذا الإنجيل المزوّر تدفعنا إلى القول إنّ كاتبه لا يعرف البتّة تاريخ شعب العهد القديم ولا جغرافيّة فلسطين، وهذه لم تكن حال الرسول برنابا الذي عاش في فلسطين ويعرفها جيّدًا كما يعرف كلّ امرئ وطنه ومسقط رأسه. ففي الفصل 145 من إنجيل برنابا يرد هذا القول: "لقد كان في زمن إيليّا خليل الله ونبيّه اثنا عشر جبلاً يقطنها سبعة عشر ألف فرّيسيّ". لا يمكن عارفًا بالتاريخ اليهوديّ كالرسول برنابا أنّ يقول عن الفرّيسيّين الذين بدأت حركتهم بعد الجلاء البابليّ، وتبلورت حركةً دينيّة في القرن الثاني قبل الميلاد، بأنّهم كانوا معاصرين لإيليّا الذي عاـش في القـرن التـاسع قبـل الميلاد. أمّا الفضيحـة التي تُشير إلى عدم معرفة الكاتب بالتقاليد المحلّيّة لفلسطين فنجدها في الفصل الثاني والخمسين من الكتاب حيث يقول: "ففي الحال تدحرجت الجنود من الهيكل كما يدحرج المرء براميل من خشب غُسلت لتُملأ ثانيةً خمرًا". والمعروف لدى القاصي والداني أن أهل فلسطين والشرق عمومًا كانوا يضعون الخمر في خواب ودنان من الفخّار، لا في براميل من الخشب كما جرت العادة في الغرب. كما لا يمكن برنابا أن يقول عن الناصرة إنّها تقع على البحر كما يقول صاحب الإنجيل المزعوم في الفصل العشرين منه.

يستهوي إنجيل برنابا المزعوم الذين لا يعتقدون بألوهة الربّ يسوع ولا بصلبه وقيامته من بين الأموات، ومنهم المسلمون. ففي كتاب عنوانه "السيّد المسيح بين القرآن والإنجيل"، يعتبر مؤلّفه أنّ إنجيل برنابا هو الإنجيل الصحيح، فيقول: "أمّا بالنسبة لبرنابا فالغريب أنّه لم يُعترف بإنجيله من قِبل الكنيسة البابويّة ولا حتّى من أيّ كنيسة أخرى في العالم من خلال رؤسائها وكهنتها، أمّا السبب في ذلك فواضح، إذ لم يُذكر في هذا الإنجيل سوى كون يسوع نبيًّا مُرسلاً من عند الله، لا إلهًا ولا ابن الله، وأنّه لم يُصلب، وإنّما توفّاه الله تَبارك وتعالى، وظهر عليهم بعد ذلك وأظهر لهم أنّ الذي صُلب كان شخصًا آخر شُبّه لهم وهو يهوذا الذي أَسلمه، وأنّه بشّر بظهور نبيّ من بعده اسمه محمّد بالنصّ الصريح".

أمّا نحن فنقول لمن يقولون بصحّة إنجيل برنابا إنّه كتاب وُضع انطلاقًا من المعتقد الإسلاميّ بشخص المسيح، فهو كتاب تمّ تأليفه، كما تقدّم، بعد ظهور الإسلام بحوالى ثمانية إلى عشرة قرون، وليس قبل ظهور الإسلام. لذلك، هو كتاب لا يتضمّن نبوءات قالها المسيح عن مجيء نبيّ من بعده، وليس الكلام عن عدم صلب المسيح وصلب يهوذا مكانه وقائع تاريخيّة موثوقة. إنجيل برنابا المزعوم كتاب تبنّى الرواية الإسلاميّة ونسب أقوالاً إلى يسوع لم يتفوّه بها، وتوهّم أحداثًا لم تحصل في سبيل دعم الرأي الإسلاميّ بنبوّة المسيح وتمهيده لمجيء رسول من بعده كما ورد في القرآن، علمًا أنّ إنجيل برنابا يخالف الإسلام في كثير من المواقع. فإنجيل برنابا في الفصل السادس والتسعين ينسب إلى يسوع أنّه قال: "أنا لست المسيّا الذي تنتظره كلّ قبائل الأرض. إنّ اسم مسيّا عجيب، إنّ اسمه المبارك محمّد"، فيما يؤكّد القرآن أن "عيسى ابن مريم" هو وحده المسيح، ولا نجد في القرآن أو في التراث الإسلاميّ كلّه أيّ أشارة إلى كون محمّد هو المسيح.

تُجمع الدراسات الرصينة على القول بعدم صحّة نسبة هذا الكتاب المسمّى زورًا بإنجيل برنابا إلى الرسول برنابا أو إلى مُعاصر له، ذلك أنّ مؤلّف الكتاب قد عاش في أوروبا بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر، ولا يعرف فلسطين التي يعرفها جيّدًا برنابا، وهو أيضًا لا يعرف الإسلام بشكل جيّد كما أَظهرْنا في متن المقالة. لذلك لم يجد هذا المؤلّف المفتري إلاّ اسم القدّيس برنابا لينسب إليه هذا الإنجيل المزوّر.