حزقيال النبى
ونبذه مختصرة عن السفر
وفى قلب هذه المحنة وفى وسط الضيق والحصار والموت والجوع والدمار دعا الله حزقيال الكاهن ابن بوزى الذى أُخذ أسيراً إلى بابل فى المرحلة الثانية للسبى 597 ق.م، وأرسله للعمل النبوى والخدمة بين المسبيين فى بابل.
وكانت مهمته شاقة وعسيرة جداً ومليئة كما يقول الكتاب بـ "مرث ونحيب وويل"، لأنه مرسلاً إلى "بيت إسرائيل صلاب الحياة وقساة القلوب "بيت متمرد"،
ومن ثم يقول "فجئت الروح وأخذنى فذهبت مراً فى حرارة روحى ويد الرب كانت شديدة علىّ. فجئت إلى المسبيين عند تل أبيب الساكنين عند نهر خابور وحيث سكنوا هناك سكنت سبعة أيام متحيراً فى وسطهم.
كان دمار أورشليم والشتات والسبى إلى بابل قد تم على ثلاثة مراحل :
1-المرحلة الأولى سنة 605 ق.م
والتى هاجم فيها نبوخذ نصر ملك بابل أورشليم وهزم يهوياقيم ملك يهوذا وسمح لهُ أن
يبقى فى الحكم كتابع لهُ، يحكم بأسمه ويخضع لسلطانه، وأخذ معه بعض كنوز الهيكل وعدد من الفتية "من بنى إسرائيل ومن نسل الملك ومن الشرفاء، وكان من ضمنهم دانيال ورفاقه الثلاثة.
2- وفى المرحلة الثانية سنة 597 ق.م.
جاء نبوخذ نصر ثانية وحاصر أورشليم وأخذ بقية أوانى الهيكل وكنوزه ونقلهم إلى بابل وأخذ الملك يهوياقيم ومعهُ 10.000 امير وضابط ورجل شرطة وجميع الصناع والمهرة ولم يترك فى يهوذا إلا مساكين الأرض (بقية الشعب)،
وكان من ضمن هؤلاء حزقيال الكاهن ابن بوزى،
وقد عانى كل الشعب، سواء الذين بقوا فى أورشليم أو الذين أخذوا إلى السبى من الذل والعار والمهانة، ونظراً لأن الهيكل كان ما يزال قائماً، برغم ما حل به من خراب،
فقد كان الأمل ما يزال يراود المسبيين فى الانتصار والعودة،
ولكن إرادة الله شاءت أن تدمر المدينة ويحرق الهيكل عقاباً للشعب على خطاياه وأن يستمر السبى مدة سبعين سنة، كما سبق وأعلن الله لأرمياء النبى.
ومن هنا كانت صعوبة وقسوة ومرارة رسالة حزقيال النبى التى تركزت فى ثلاثة محاور رئيسية هى :
1- حتمية عقاب الشعب ودينونته
بسبب آثامه وخطاياه وعصيانه المستمر وتمرده الدائم على الله وتركه لعبادته باعتباره الإله الواحد الحى الحقيقى الذى ل إله غيره أو مثله أو سواه،
وعبادة الأوثان، التى وصفها الله بالزنى الروحى، حتى انه وصف أورشليم وكل شعب إسرائيل بالأبنة اللقيطة التى وجدها ملقاة على قارعة الطريق ومطروحة على وجه الحقل بكراهة نفسها،ثم أخذها ورباها وجعلها زينة الأزيان وصار جمالها كاملاً ببهاء الله الذى وضعه عليها.
ولكنها تركته، تركت عبادة الله، وانحرفت وزنت مع جيرانها، عبدت أصنام المدن والبلاد المجاورة.
ثم يضيف كل من السامرة عاصمة إسرائيل، الأسباط العشرة، وأورشليم عاصمة يهوذا بامرأتين زانيتين،
تركنا عبادة الله الحى وعبدتا الأوثان "زنتا بأصنامهما وأيضا أجازتا بنيها الذين ولدتاهم لى النار أكلاً لها. وفعلتا أيضا بى هذا، نجستا مقدسى فى ذلك اليوم ودنستا سبوتى.
ولما ذبحتا بنيها لأصنامهما أتتا فى ذلك اليوم إلى مقدسى لتنجساه.
كما تركوا وصايا الله ونواميسه وشريعته وعملوا كل أنواع الشر والأثم والرذيلة
"هوذا رؤساء إسرائيل كل واحد حسب استطاعته كانوا فيك لأجل سفك الدم. فيك أهانوا أباً وأماً. فى وسطك عاملوا الغريب بالظلم. فيك اضطهدوا اليتيم والأرملة. ازدريت اقداسى ونجست سبوتى.
كان فيك أناس مشاة لسفك الدم وفيك أكلوا على الجبال. فى وسطك عملوا رذيلة.
فيك كشف الإنسان عورة أبيه.فيك أزلوا المنجسة بطمثها.
إنسان فعل الرجس بامرأة قريبه.
إنسان نجس كنته برذيلة إنسان أذل فيك أختهُ بنت أبيه.
فيك أخذوا الرشوة لسفك الدم.
أخذت الربا والمرابحة وسلبت أقرباءك بالظلم ونسيتينى يقول السيد الرب.
وكانت إرادة الله "من اجل ذلك حى أنا يقول السيد الرب
من اجل انك نجست مقدسى بكل فكر هاتك وبكل أرجاسك فأنا أيضا أجز ولا تشفق عينى وأنا أيضا لا أعفو ثُلثُك يموت بالوباء وبالجوع يفنون فى وسطك وثلث يسقط بالسيف من حولك وثلث أذرّيه فى كل ريح وأستل سيفاً وراءهم.
2- رحيل مجد الرب وتخلى الله عن الهيكل.
ونظراً لخراب الهيكل القادم والوشيك حمل الله حزقيال النبى فى الرؤيا إلى أورشليم وأراه عبادتهم للأصنام وشرورهم وآثامهم وسجودهم للشمس،
ومن ثم حتمية عقابهم وهلاكهم ورفض الله للعفو عنهم بسبب عنادهم وإصرارهم على شرهم
ومن ثم فقد ترك مجد الرب الهيكل "فأرتفع مجد الرب عن الكروب إلى كتبة البيت. فامتلأ البيت من السحابة وامتلأت الدار من لمعان مجد الرب …
وخرج مجد الرب من على عتبة البيت ووقف على الكروبيم. فرفعت الكروبيم أجنحتها وصعدت من الأرض قدام عينى.
عند خروجها كانت البكرات معها ووقف عند مدخل باب بيت الرب الشرقى ومجد إله إسرائيل عليها من فوق، ثم ترك المدينة أيضا "وصعد مجد الرب من على وسط المدينة ووقف على الجبل الذى على شرقى المدينة.
وجاء نبوخذ نصر للمرة الثالثة وحاصر أورشليم فى الفترة من 588 إلى 585 ق.م.
"وأحرق بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليم وكل بيوت العظماء أحرقها بالنار وسبى عدداً كبيراً من الشعب ولم يبق على الأرض سوى "مساكين الأرض كرامين وفلاحين،
ومن ثم تحولت نبوات حزقيال النبى إلى المستقبل والرجاء فى العودة مجيء ابن داود والهيكل السمائى.
3- حتمية عودة البقية الأمينة وإتمام الوعد بالحياة الجديدة ومجيء ابن داود الذى سبق أن وعد الله به،
وذلك على الرغم من يأس الشعب وتصورهم استحالة العودة
"ها هم يقولون يبست عظامنا وهلك رجاؤنا. قد انقطعنا، ولكن الله يؤكد حتمية هذه العودة "وأخذكم من بين الأمم وأجمعكم من جميع الأراضى وآتى بكم إلى أرضكم، وأرش عليكم ماءً طاهراً فتطهرون من نجاساتكم ومن كل أصنامكم أُطهركم ..
وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة فى داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم.
وأجعل روحى فى داخلكم وأجعلكم تسلكون فى فرائض وتحفظون أحكامى وتعملون بها.
وقد جعل الله من حياة حزقيال النبى الشخصية نموذجاً ومثالاً لما سيحدث للشعب من آلام وآنين، كما جعل من تصرفاته رموزاً لما سيحدث للشعب وما سيعانيه من ضيق وجوع وموت وسبى.
كان حزقيال النبى نفسهُ آية لهم
وجعل من موت زوجته وما سيعانيه بسبب ذلك مثالاً لما سيحدث لأورشليم من خراب وما سيحدث للشعب من حزن وكرب وضيق "يا ابن آدم هأنذا أخذ عنك شهوة عينيك بضربة (مرض مفاجئ) فلا تنح ولا تبك ولا تنزل دموعك.
تنهد ساكناً لا تعمل مناحة على أموات …
فكلمت الشعب صباحاً وماتت زوجتى مساء.
وفعلت كما أمرنى الرب،
كما جعله الله يتكئ على جنبه الأيسر 390 يوم وعلى جنبه الأيمن 40 يوم، وجعل عليه أربطة حتى لا يتقلب من جنب إلى جنب رمزاً لسنى أثم إسرائيل ويهوذا.
وطلب منه أن يأكل الطعام، البقوليات فقط، بالوزن ويشرب الماء بالكيل رمزاً لما سيحدث أثناء الحصار من جوع وضيق.
كانت رسالته إلى شعب قاسى القلب
وصلب الجبهة متحجر العقل وصلب كالصوان وقد وصف الله بـ "القريس والسلاء و"العقارب.
وكان حزقيال النبى فى وسطهم كما وصفه الله كشعر أشواق لجميل الصوت يحسن العزف فيسمعون كلامك ولا يعملون به، أو بترجمة أخرى "إنما أنت لهم كأغنية حب من صاحب صوت رخيم يحسن العزف. فيسمعون كلامك ولا يعملون به. ولكنهم قالوا عنه "يمثل أمثالاً.
ومثل أشعياء وأرمياء تنبأ حزقيال النبى على البلاد والمدن المجاورة،
فقد تنبأ على مصير عمون وموآب وسعير آدوم وفلسطين وعلى صور، وعلى صيدون، وعلى مصر،
أما أكبر نبواته وأعظمها فقد كانت عن الهيكل الجديد وعودة مجد الرب والمدينة المقدسة والمياه المقدسة والأمجاد القادمة.