حول الصلاة لأجل الراقدين
من كتاب "الأرثوذكسية والبروتستانتية
"للأرشمندريت أمفروسيوس يوراسوف
إن صلة الإنسان المسيحي بسائر أعضاء الكنيسة لا تنقطع أبداً حتى بعد رقاده فيموت الجسد أما الروح فتبقى خالدة. إن جميع المسيحيين يكوّنون جسدا واحدا وهو كنيسة المسيح (أف 23:1؛ 1كو 18:1؛ عب 23-22:12) والتعبير الظاهري عن هذا الارتباط هو صلاة أعضاء الكنيسة الأحياء لأجل الراقدين. فما هي ضرورته لا أظن أن هناك إنسان يتجرأ أن يقول وهو على وشك الموت إنه قد تطهر من الخطايا إلى درجة كافية. من المعروف أنه في الحياة ما بعد الموت لا توجد فرصة للتوبة وليس بإمكان الخطاة تخفيف آلامهم بجهودهم الشخصية. ولا يمكن أن يساعدهم في ذلك إلا صلاة الأحياء أي صلاة
الكنيسة والصدقة عن نفوسهم والأهم من ذلك كله الذبيحة غير الدموية على المذبح. وحسب تعليم الكنيسة الأرثوذكسية تساعد هذه الصلوات على إخراج النفوس من الجحيم وتقودهم إلى القيامة أي من شأنها مساعدة نفوس الراقدين على أن تنال مغفرة الخطايا والانتقال إلى حالة روحية أفضل.تستند الكنيسة على كلمة الله وإرشادات الآباء القديسين ومعلّمي الكنيسة في موضوع الصلاة من أجل الراقدين وهي تولّي أهمية بالغة لهذه المسألة. إن الكتاب المقدس يوصّي المسيحيين: " صَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ" (يع 16:5)؛ صلوا لأجل أخيكم الذي "يُخْطِئُ خَطِيَّةً لَيْسَتْ لِلْمَوْتِ" (1يو 16:5)؛ "لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ" (أف 18:6) أي جميع المسيحيين و" لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ" (1تي 1:2). ومعنى ذلك أنه لا بد من الصلاة من أجل الراقدين أيضا لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَ الله أَحْيَاءٌ (لو 38:20) و "لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ" (رو 8:14). لماذا ينبغي علينا أن نصلي لأجل بعضنا البعض؟ لأننا كلنا أولاد آب واحد وأعضاء جسد المسيح الواحد. يقول الرب: "بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ" (يو 35:13). أما المحبة فحسب قول الرسول "لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا" (1كو 8:13). يقول يوحنا اللاهوتي: "بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ." (1يو 16:3) ويكتب بولس الرسول: " صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ" (أف 15:4). ومعنى هذا كله أن المحبة الحقيقية تساهم في النمو الروحي للمسيحيين وتطهّرهم ومغفرة خطاياهم.تتضح إمكانية هذا النمو والمغفرة حتى بعد الموت من كلمات المخلّص: " كلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ... وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لاَ فِي هذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتي" (مت 32-31:12).أي أنه لو لم يكن من الممكن مغفرة الخطايا بعد الموت على الإطلاق لما قال الرب إن التجديف على الروح القدس لن يغفر في الدهر الآتي. عندما كان الرب يصلي من أجل تلاميذه قبل موته على الصليب طلب من الآب أن يمنحهم النعمة الأبدية: " أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي..." (يو 24:17). كان بولس الرسول يطلب من الرب أن يرحم أنيسيفورس بعد موته: " لِيُعْطِهِ الرَّبُّ أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ" (2تي 18:1) أي في يوم الدينونة. يخبرنا بطرس الرسول بكرازة الرب " لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ إِذْ عَصَتْ قَدِيمًا، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ... فَإِنَّهُ لأَجْلِ هذَا بُشِّرَ الْمَوْتى أَيْضًا" (1بط 20-19:3؛ 6:4). أي لو لم يكن هناك مجال للمنو الروحي بعد الموت وإمكان مغفرة الخطايا لما كانت هناك حاجة إلى الكرازة للأموات.نجد في الكتاب المقدس كثيرا من الإشارات المباشرة إلى ذكر الأموات في الصلاة وإعطاء تبرعات عن نفوسهم. جرت العادة في كنيسة العهد القديم أن يتم كسر الخبز عن الأموات وتوزيعه على الفقراء (تث 14:26؛ إر 7:16) وفرض الصوم بمناسبة وفاة الأقرباء (1صم 13:31؛ 2صم 12:1). يخبرنا سفرالقضاة بأن عادة ذكر الأموات كانت منتشرة في إسرائيل (قض 40:11) وهدف ذلك هو طلب مغفرة خطاياهم. كما نجد دليلا على عادة التبرع عن نفوس الأموات في سفر الراعوث: " مُبَارَكٌ هُوَ مِنَ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الْمَعْرُوفَ مَعَ الأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى" (را 20:2).يرفض البروتستانت الصلوات من أجل الراقدين وهم لا يؤمنون بفعاليتها معتبرين إياها باطلة غير مفيدة مستندين إلى قصة الإنجيل عن الرجل الغني الذي تألم في الجحيم ومهما تضرع إلى إبراهيم لم يستطع إقناعه بتخفيف عذابه: " بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ ههُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ، وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا" (لو 26:16). إن صلاة الغني وصلت إلى حضن إبراهيم رغم وجود هوة عظيمة لم يستطع أحد عبورها، ولكن هذه الهوة انتهى دورها مع نهاية عصر العهد القديم الذي كان لا بد للناس فيه أن يستمعوا إلى موسى والأنبياء (لو 29:16). أي أن المستحيل بالنسبة لإبراهيم أصبح ممكنا بعد موت ربنا على الصليب.إن الهوة بين الفردوس والجحيم تحطّمت بفداء المسيح إذ أن الرب بآلامه على الصليب فدى ليس الأحياء فقط بل الأموات أي العالم كله. يقول الرسول بولس: " إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا». وَأَمَّا أَنَّهُ «صَعِدَ»، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضًا أَوَّلاً إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى" (أف 9-8:4). بعد أن نزل المسيح بروحه إلى الجحيم وانتصر على الشيطان حرر أرواح المتواجدين هناك ومنهم من قام من الأموات في الحال بحسب قول الإنجيل (مت 53-52:27).بعد آلامه على الصليب أعطي للمسيح "كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ" (مت 18:28) وحصل على " مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ" (رؤ 18:1) مما يدلّ على أن هناك مخرج من الجحيم إلى الفردوس. " هذَا يَقُولُهُ الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ" (رؤ 7:3). فيستطيع الرب أن يعطي رحمته لكل راقد وفي قدرته أن يخرج أي نفس من الجحيم وينقلها إلى ملكوت السماوات. قال الرب: " وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ. إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئًا بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ" (يو 14-13:14) وبالتالي فإن للرب سلطان أن يستجيب إلى التضرغ من أجل تخفيف مصير الراقد الذي لم يخطئ خطيئة للموت. لذلك لا تذهب صلواتنا من أجل الراقدين هباء وإلا ما معنى كلام بولس الرسول: " أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟" (1كو 55:15). إن نفوس الراقدين تتواجد على درجات مختلفة بناء على حالتهم الروحية وكثرة خطاياهم ومدى صعوبتها. كما أنه توجد في السماوات "منازل كثيرة" (يو 2:14) للأبرار بحسب حالتهم الروحية هكذا تختلف أنواع السجون في الجحيم. تتكدس في بعضها أولئك الذين ارتكبوا "خطيئة للموت" ضد الروح القدس (مت 32-31:12) أي المجدّفون على الله وكنيسته الذين رفضوا عقيدة الفداء الإلهي ولم يتوبوا عن خطاياهم مثل الرجل الغني في القصة الإنجيلية، إضافة إلى الذين انتحروا عن وعي أي قاموا ضد خالقهم، ولا تصلي الكنيسة لأجل هؤلاء (1يو 17-16:5). أما المتواجدون في درجات الجحيم الأخرى فهم أؤلئك الذين كانوا مؤمنين في حياتهم ولم يستطيعوا أو لم يلحقوا أن يتوبوا لأسباب خارجة عن إدارتهم مثلا قُتلوا في الحروب أو ماتوا موتا مفاجئا أو لم يلحقوا بأن يصنعوا أثمارا تليق بالتوبة. فالكنيسة ترفع صلواتها لأجلهم وهي تؤمن أنها تأتيهم بالفائدة وتقدرعلى إخراجهم من الجحيم نهائيا.يقول الكتاب: " كَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ" (عب 27:9) فيعتمد البروتستانت على هذا القول معتبرين أن حكم الله يأني بعد الموت مباشرة وبالتالي لا فائدة من الصلاة لأجل مصير الراقد. أما الكنيسة الأرثوذكسية فحسب تعليمها الذي يستند إلى الكتاب المقدس يواجه الراقدون محاكمتين وهما الحكم الفردي للنفس الذي يأتي بعد رقاد الإنسان والدينونة العامة التي ستأتي بعد القيامة العامة ونهاية العالم والمجيء الثاني للمسيح (مت 30-29:24؛ مر 26-24:13؛ لو 27-25:21). لو كان يتم تقرير مصير النفوس بعد رقاد الناس نهائيا لما كانت هناك حاجة إلى الدينونة العامة. ولكن ما دام الراقدون موجودين قيد الحبس إن صحّ القول وتعتمد مدته وصعوبته على ما اكتسبه الإنسان روحيا في حياته الأرضية فلهم الحق في أن ينالوا الشفاعة من أجلهم من ناس آخرين أعضاء الكنيسة وأن يأملوا في رحمة السيد. لذلك لا بد من أن نصلّي ما دام لدينا وقت لأجل إخوتنا وأخواتنا الراقدين المنتظرين اليوم العظيم الذي يجتمع فيه جميع الشعوب أمام المسيح (مت 32:25).يقول البروتستانت إن الصلاة والصدقة لا يمكن أن تنقذ الإنسان من العقوبة الأبدية: " مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ (مر 37:8). ولكن هذا القول لا ينطبق على الصلاة لأجل الراقدين بل يقصد به ثمن نفس الإنسان التي هي أغلى من كل كنوز العالم ومن خسرها فلا يشتريها بأي أثمان. إننا نؤمن بأن المسيح " يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ" وأننا "افْتُدِينا لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ" (1بط 19-17:1). فبعد فداء المسيح لكل واحد الفرصة في التكفير عن ذنوبه بالتوبة والأعمال الصالحة، ولكن مهما كان بارّا فإنه غير قادر على التكفير عن كافة ذنوبه ولذلك يكون بحاجة إلى الصلاة لأجله عندما ليس في استطاعته عمل أي شيء. إن الله يحبّ كل إنسان و"يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ" (1تي 4:2) ولكننا مع ذلك لا نعرف من سيخلص لأن الرحمة "لَيْسَ لِمَنْ يَشَاءُ وَلاَ لِمَنْ يَسْعَى، بَلْ ِللهِ الَّذِي يَرْحَمُ" (رو 16:9) فبالتالي ينبغي لنا أن نتضرع بإيمان وباجتهاد إلى الله لأجل إخوتنا الراقدين. يجب أن نصلي لأجلهم كما أنهم أيضا بصلّون لأجلنا، فهذه الصلاة تأتي بالفائدة والتعزية لكل من الأحياء والراقدين، إنها تخفف على الأحياء ألم فقدان الأقرباء ولكن حتى بعد مرور الوقت ومداواة الجروح لا تزال صلاتنا ترتفع من أجلهم وهي دليل على حبّنا لهم، فإذا كان أحد لا يصلّي لأجل أقربائه الراقدين فمعنى ذلك أنه ميّت روحيا ولا يحبّهم ولا ينفّذ وصية المحبة التي تركها المسيح: "منْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْتِ" (1يو 14:3).
الكنيسة والصدقة عن نفوسهم والأهم من ذلك كله الذبيحة غير الدموية على المذبح. وحسب تعليم الكنيسة الأرثوذكسية تساعد هذه الصلوات على إخراج النفوس من الجحيم وتقودهم إلى القيامة أي من شأنها مساعدة نفوس الراقدين على أن تنال مغفرة الخطايا والانتقال إلى حالة روحية أفضل.تستند الكنيسة على كلمة الله وإرشادات الآباء القديسين ومعلّمي الكنيسة في موضوع الصلاة من أجل الراقدين وهي تولّي أهمية بالغة لهذه المسألة. إن الكتاب المقدس يوصّي المسيحيين: " صَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ" (يع 16:5)؛ صلوا لأجل أخيكم الذي "يُخْطِئُ خَطِيَّةً لَيْسَتْ لِلْمَوْتِ" (1يو 16:5)؛ "لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ" (أف 18:6) أي جميع المسيحيين و" لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ" (1تي 1:2). ومعنى ذلك أنه لا بد من الصلاة من أجل الراقدين أيضا لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَ الله أَحْيَاءٌ (لو 38:20) و "لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ" (رو 8:14). لماذا ينبغي علينا أن نصلي لأجل بعضنا البعض؟ لأننا كلنا أولاد آب واحد وأعضاء جسد المسيح الواحد. يقول الرب: "بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ" (يو 35:13). أما المحبة فحسب قول الرسول "لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا" (1كو 8:13). يقول يوحنا اللاهوتي: "بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ." (1يو 16:3) ويكتب بولس الرسول: " صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ" (أف 15:4). ومعنى هذا كله أن المحبة الحقيقية تساهم في النمو الروحي للمسيحيين وتطهّرهم ومغفرة خطاياهم.تتضح إمكانية هذا النمو والمغفرة حتى بعد الموت من كلمات المخلّص: " كلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ... وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لاَ فِي هذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتي" (مت 32-31:12).أي أنه لو لم يكن من الممكن مغفرة الخطايا بعد الموت على الإطلاق لما قال الرب إن التجديف على الروح القدس لن يغفر في الدهر الآتي. عندما كان الرب يصلي من أجل تلاميذه قبل موته على الصليب طلب من الآب أن يمنحهم النعمة الأبدية: " أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي..." (يو 24:17). كان بولس الرسول يطلب من الرب أن يرحم أنيسيفورس بعد موته: " لِيُعْطِهِ الرَّبُّ أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ" (2تي 18:1) أي في يوم الدينونة. يخبرنا بطرس الرسول بكرازة الرب " لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ إِذْ عَصَتْ قَدِيمًا، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ... فَإِنَّهُ لأَجْلِ هذَا بُشِّرَ الْمَوْتى أَيْضًا" (1بط 20-19:3؛ 6:4). أي لو لم يكن هناك مجال للمنو الروحي بعد الموت وإمكان مغفرة الخطايا لما كانت هناك حاجة إلى الكرازة للأموات.نجد في الكتاب المقدس كثيرا من الإشارات المباشرة إلى ذكر الأموات في الصلاة وإعطاء تبرعات عن نفوسهم. جرت العادة في كنيسة العهد القديم أن يتم كسر الخبز عن الأموات وتوزيعه على الفقراء (تث 14:26؛ إر 7:16) وفرض الصوم بمناسبة وفاة الأقرباء (1صم 13:31؛ 2صم 12:1). يخبرنا سفرالقضاة بأن عادة ذكر الأموات كانت منتشرة في إسرائيل (قض 40:11) وهدف ذلك هو طلب مغفرة خطاياهم. كما نجد دليلا على عادة التبرع عن نفوس الأموات في سفر الراعوث: " مُبَارَكٌ هُوَ مِنَ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الْمَعْرُوفَ مَعَ الأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى" (را 20:2).يرفض البروتستانت الصلوات من أجل الراقدين وهم لا يؤمنون بفعاليتها معتبرين إياها باطلة غير مفيدة مستندين إلى قصة الإنجيل عن الرجل الغني الذي تألم في الجحيم ومهما تضرع إلى إبراهيم لم يستطع إقناعه بتخفيف عذابه: " بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ ههُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ، وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا" (لو 26:16). إن صلاة الغني وصلت إلى حضن إبراهيم رغم وجود هوة عظيمة لم يستطع أحد عبورها، ولكن هذه الهوة انتهى دورها مع نهاية عصر العهد القديم الذي كان لا بد للناس فيه أن يستمعوا إلى موسى والأنبياء (لو 29:16). أي أن المستحيل بالنسبة لإبراهيم أصبح ممكنا بعد موت ربنا على الصليب.إن الهوة بين الفردوس والجحيم تحطّمت بفداء المسيح إذ أن الرب بآلامه على الصليب فدى ليس الأحياء فقط بل الأموات أي العالم كله. يقول الرسول بولس: " إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا». وَأَمَّا أَنَّهُ «صَعِدَ»، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضًا أَوَّلاً إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى" (أف 9-8:4). بعد أن نزل المسيح بروحه إلى الجحيم وانتصر على الشيطان حرر أرواح المتواجدين هناك ومنهم من قام من الأموات في الحال بحسب قول الإنجيل (مت 53-52:27).بعد آلامه على الصليب أعطي للمسيح "كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ" (مت 18:28) وحصل على " مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ" (رؤ 18:1) مما يدلّ على أن هناك مخرج من الجحيم إلى الفردوس. " هذَا يَقُولُهُ الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ" (رؤ 7:3). فيستطيع الرب أن يعطي رحمته لكل راقد وفي قدرته أن يخرج أي نفس من الجحيم وينقلها إلى ملكوت السماوات. قال الرب: " وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ. إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئًا بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ" (يو 14-13:14) وبالتالي فإن للرب سلطان أن يستجيب إلى التضرغ من أجل تخفيف مصير الراقد الذي لم يخطئ خطيئة للموت. لذلك لا تذهب صلواتنا من أجل الراقدين هباء وإلا ما معنى كلام بولس الرسول: " أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟" (1كو 55:15). إن نفوس الراقدين تتواجد على درجات مختلفة بناء على حالتهم الروحية وكثرة خطاياهم ومدى صعوبتها. كما أنه توجد في السماوات "منازل كثيرة" (يو 2:14) للأبرار بحسب حالتهم الروحية هكذا تختلف أنواع السجون في الجحيم. تتكدس في بعضها أولئك الذين ارتكبوا "خطيئة للموت" ضد الروح القدس (مت 32-31:12) أي المجدّفون على الله وكنيسته الذين رفضوا عقيدة الفداء الإلهي ولم يتوبوا عن خطاياهم مثل الرجل الغني في القصة الإنجيلية، إضافة إلى الذين انتحروا عن وعي أي قاموا ضد خالقهم، ولا تصلي الكنيسة لأجل هؤلاء (1يو 17-16:5). أما المتواجدون في درجات الجحيم الأخرى فهم أؤلئك الذين كانوا مؤمنين في حياتهم ولم يستطيعوا أو لم يلحقوا أن يتوبوا لأسباب خارجة عن إدارتهم مثلا قُتلوا في الحروب أو ماتوا موتا مفاجئا أو لم يلحقوا بأن يصنعوا أثمارا تليق بالتوبة. فالكنيسة ترفع صلواتها لأجلهم وهي تؤمن أنها تأتيهم بالفائدة وتقدرعلى إخراجهم من الجحيم نهائيا.يقول الكتاب: " كَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ" (عب 27:9) فيعتمد البروتستانت على هذا القول معتبرين أن حكم الله يأني بعد الموت مباشرة وبالتالي لا فائدة من الصلاة لأجل مصير الراقد. أما الكنيسة الأرثوذكسية فحسب تعليمها الذي يستند إلى الكتاب المقدس يواجه الراقدون محاكمتين وهما الحكم الفردي للنفس الذي يأتي بعد رقاد الإنسان والدينونة العامة التي ستأتي بعد القيامة العامة ونهاية العالم والمجيء الثاني للمسيح (مت 30-29:24؛ مر 26-24:13؛ لو 27-25:21). لو كان يتم تقرير مصير النفوس بعد رقاد الناس نهائيا لما كانت هناك حاجة إلى الدينونة العامة. ولكن ما دام الراقدون موجودين قيد الحبس إن صحّ القول وتعتمد مدته وصعوبته على ما اكتسبه الإنسان روحيا في حياته الأرضية فلهم الحق في أن ينالوا الشفاعة من أجلهم من ناس آخرين أعضاء الكنيسة وأن يأملوا في رحمة السيد. لذلك لا بد من أن نصلّي ما دام لدينا وقت لأجل إخوتنا وأخواتنا الراقدين المنتظرين اليوم العظيم الذي يجتمع فيه جميع الشعوب أمام المسيح (مت 32:25).يقول البروتستانت إن الصلاة والصدقة لا يمكن أن تنقذ الإنسان من العقوبة الأبدية: " مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ (مر 37:8). ولكن هذا القول لا ينطبق على الصلاة لأجل الراقدين بل يقصد به ثمن نفس الإنسان التي هي أغلى من كل كنوز العالم ومن خسرها فلا يشتريها بأي أثمان. إننا نؤمن بأن المسيح " يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ" وأننا "افْتُدِينا لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ" (1بط 19-17:1). فبعد فداء المسيح لكل واحد الفرصة في التكفير عن ذنوبه بالتوبة والأعمال الصالحة، ولكن مهما كان بارّا فإنه غير قادر على التكفير عن كافة ذنوبه ولذلك يكون بحاجة إلى الصلاة لأجله عندما ليس في استطاعته عمل أي شيء. إن الله يحبّ كل إنسان و"يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ" (1تي 4:2) ولكننا مع ذلك لا نعرف من سيخلص لأن الرحمة "لَيْسَ لِمَنْ يَشَاءُ وَلاَ لِمَنْ يَسْعَى، بَلْ ِللهِ الَّذِي يَرْحَمُ" (رو 16:9) فبالتالي ينبغي لنا أن نتضرع بإيمان وباجتهاد إلى الله لأجل إخوتنا الراقدين. يجب أن نصلي لأجلهم كما أنهم أيضا بصلّون لأجلنا، فهذه الصلاة تأتي بالفائدة والتعزية لكل من الأحياء والراقدين، إنها تخفف على الأحياء ألم فقدان الأقرباء ولكن حتى بعد مرور الوقت ومداواة الجروح لا تزال صلاتنا ترتفع من أجلهم وهي دليل على حبّنا لهم، فإذا كان أحد لا يصلّي لأجل أقربائه الراقدين فمعنى ذلك أنه ميّت روحيا ولا يحبّهم ولا ينفّذ وصية المحبة التي تركها المسيح: "منْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْتِ" (1يو 14:3).