مقاربة واقعية
إذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا، فلنعترف أن ممارستنا الخاطئة أحياناً لسر الاعتراف، هي التي تقف وراء نفور الكثيرين من الاعتراف، ونتحوّل إلى فاشلين في جذب الشباب إلى حياة الإيمان. وسأورد هنا بعض الأمور السلبية التي يجب الانتباه إليها وتجنُّبها:
1- فرض الأب الروحي:
أن يفرض المرشد على أبنائه الاعتراف عند نفس الأب الروحي الذي يعترف عنده! هذا ليس أمراً ضرورياً أو حتمياً أو صائباًن بل يكفي أن يكون أحد الاقتراحات وفقط. وإلا تحوّل الأمر إلى تسلط على نفوس البشر، وهذا لا يريح الإنسان بل يبعده عن الله
والكنيسة وحتى عن الاعتراف بحد ذاته لأنه لم يختر أباه بحريته.
والكنيسة وحتى عن الاعتراف بحد ذاته لأنه لم يختر أباه بحريته.
2- التحزب للآباء الروحيين:
أبناء الأب x ينظرون لبعضهم أنهم إخوة، بينما ينظرون إلى أبناء الأب z أنهم ليسوا إخوتهم الأخصاء، بل وتنشب بين هؤلاء وأولئك مشادات ومهاترات لا طائل منها إلا مضيعة الوقت وهدم النفوس، والإساءة إلى الأبوّة الروحية، والرابح الأكبر والأذكى يكون الشيطان
هناك موقف حدث أمامي جرحني جداً مع أنه لا علاقة مباشرة لي به حين قال أحد الإخوة – وللأسف المرشدين – لأخت تشاركه في الخدمة: " أصلاً ولاد أبونا (فلان) كلون متعلمين جامعات ودراسات عليا" – وكان هو من أبناء أبونا (فلان)، " أما ولاد أبونا (علان)"، وكانت الأخت من أولاده، "كلون ما متعلمين أكتر من معهد، " فأجابته تلك: " نحنا أصلاً منفتخر انو تلاميذ المسيح كانو صيادين"..
أهذا هو الاعتراف؟ أهكذا هم أبناء الكنيسة؟ كيف سيُقبل من هو خارح الكنيسة إلى الكنيسة بعد أن يرى ويسمع هذه المهاترات السخيفة التي لا تنم إلا عن سطحية روحية..
3- تأليه الأب الروحي:
إنّ ظاهرة الدفاع عن الأب الروحي وكأنه الإنسان الذي لا يهفو، هي ظاهرة منطلقها إيجابي وهو احترام الأب الروحي ورؤية الله في شخصه، لكنها تحوّلت إلى ظاهرة سلبية إضافة إلى أنها بعيدة كل البعد عن الواقعية والموضوعية والروح المسيحية الأصيلة. فالأب الروحي هو إنسان أولاً وعنده ضعفات بشرية وإن كان مستنيراً من الله، والأبناء الروحيون عليهم ان يدركوا هذه الحقيقة. والابن الروحي الحقيقي والناضج، يحب اباه بوعي ويقبل ضعفات أبيه ويطيعه وهو واع ٍ لإمكانية الضعف البشري، وهكذا يتعلم ألا يدين وان يميّز أن أخطاءه وخطاياه الشخصية تفوق بما لا يقاس خفوات أبيه البسيطة. أما أن يعتبر كل واحد منا ان أباه الروحي لا يخطئ بشرياً أبداً، فهذا يعني ان كل واحد يعتبر أباه الروحي إلهاً، وبالتالي فنحن واقعون فيما يسمى "تعدد الآلهة"!! ثم إن أسبغ التلميذ صفات الألوهة على أبيه سيتعثر عند أي هفوة بسيطة تصدر عن أبيه الروحي ناسياً أن كلاً منهما يتقدّس بالآخر.
ومن الأخطاء الملاحظة، فرض كل فريق قداسة أبيه على الفريق الآخر، وهذا خطأ قاتل في كنيستنا اليوم، وليس له أساس أبداً في التقليد الكنسي أو الرهباني الآبائي أو في الكتاب المقدس.
4- ممارسة الاعتراف من دون وعي وكأنه موضة:
إن ممارسة من هذا النوع لسر الاعتراف، لا يؤدي إلى أي تغيير في حياتنا، وهكذا نلبث قابعين في إنساننا القديم الحزين والكئيب، وغريبين عن الحياة المسيحية الجديدة التي تحمل إلينا الفرح والأمل. وإذ لا يرى الآخرون المسيح مشرقاً فينا وفي تصرفاتنا اليومية، نكون سبباً ليقتنعوا بعدم جدوى وفاعلية سر الاعتراف.
وهذا النوع من الاعتراف يحدث عندما يتوجه الإنسان نحو الاعتراف دون قاعدة صحيحة، فقد ذكر أحدهم امامي أن الأب الروحي هو بديل عن الأب الجسدي وهذه الفكرة هي بداية الخطأ، أو إن يتوجه الإنسان نحو الاعتراف دون توبة حقيقية مما يدفعه إلى تكرار خطيئته عدة مرات وبالتالي لن ينشأ أي تغيير في حياته. وهناك أيضاً من يعتبر يرى في الأب الروحي إنساناً مثله مثل أي شخص آخر في حياته ويقيم مدى صحة نصائح أبيه أو خطئها، يسأله رأيه في موضوع ما وإن أعجبه عمل به، وإن لم يعجبه يحجم عنه، طبعاً النقاش غير ملغى في العلاقة مع الأب الروحي، ولكن الابن الروحي يحاسَب على طاعته لأبيه الروحي بغض النظر عن قداسة أبيه.
كلمة أخيرة:
في الاعتراف يبدأ تشكل الجنين الروحي فينا، والذي سيولد إنساناً جديداً يتحدّى الحياة. فمن هنا يبدأ التغيير الجوهري في أعماق النفس البشرية، من هنا يمتدّ التغيير ويطال حتى طباعنا السلبية لتي ورثناها، وليس فقط خطايانا. من هذه العلاقة الواعية المتوازنة مع الأب الروحي، المبنية على المحبّة والثقة والصدق والصراحة، والمكللة بالطاعة، والمقرونة بالصلاة الشخصية ومطالعة الكلمة والمناولة الإلهية، يبدأ التحول الحقيقي في شخصياتنا، ومن ثمّ تتحول أسرنا وبيوتنا إلى كنائس صغيرة تختبر فرح الرب وحضوره في هذا العالم حسب قوله الصادق "هاأنذا معكم طول الأيام" مت28:30
نقلاً عن مجلة العربية- السنة السابعة – 2007 – العدد الأول