Tuesday, April 20, 2010

قضايا عاجلة
الحسن بن طلال
الدستور الأردنية
تَعْرًضُ اليوم لحياتنا العربية، محلياً وكونياً، جملة من المسائل والقضايا التي تمثّل تحديات حقيقية وتتطلب مواقف حاسمة. من بين هذه المسائل والقضايا: التعددية الدينية، والعلاقات مع الغرب، ومطالب الواقع الإنساني.
في مقدمة هذه المسائل ما يثور من هواجس وتوجسات في شأن الحقائق الاجتماعية
والسياسية والإنسانية التي تتعلق بالعلاقات الإسلامية المسيحية في المواطن العربية. إذ لا يخفى على أحد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وغزو العراق، وحراك التيار السياسي الديني المتشدد، قد ألقت بظلالها على هذه العلاقات. كما أن حشداً من الظواهر المركبة قد أسقط على المشهد صورةً تدعو إلى القلق. ويشتد هذا القلق إذ يبدي بعض المسيحيين العرب أسئلةً حول وجودهم في المجتمع ، من حيث أنه يُنظر إليهم كأقلية تقع خارج مفهوم (الأمة) الإسلامية، وأنهم لا يتمتعون بجميع الحقوق التي يتمتع بها المواطن، وأخطر من ذلك أن يعتبر البعض أن عقيدتهم المسيحية توجههم إلى التعلق بالغرب النصراني لا بالعالم العربي المسلم. وتستخدم بعض القوى والمنظمات والنشطاء السياسيين "في الخارج" هذه المظاهر وهذه الهواجس لتعميق الاختلاف والتناقض داخل عدد من المجتمعات العربية، بحيث تتوالد مشاعر الخوف من المستقبل وإغراءات الهجرة ومظاهر النفور والصدام.

هذا وضع لا يجوز الصمت بإزائه. وعلى كافة مؤسسات المجتمع ومنظماته أن تنهض في وجه جميع الدواعي والأسباب التي تسهم في تغذية هذه الأحوال وتشجع عليها. وفي هذا الشأن علينا أن لا ننسى وقائع التاريخ، القديمة والحديثة. فقد كان المسيحيون العرب –دوماً- مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع الإسلامي والحضارة العربية الإسلامية. وكان دورهم في بناء هذه الحضارة دوراً عظيماً في الآداب والعلوم والفلسفة وكل مظاهر الحضارة الأخرى. وفي عصر النهضة العربية الحديثة كان لهم مكانة بارزة، وربما الأبرز، في وصل العالم العربي بالعالم الحديث وبالحداثة. ولا يجهل أحد دورهم في الحركة القومية العربية الحديثة وفي الحركات الوطنية العربية وبخاصة في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن ومصر، أي في الهلال الخصيب ومصر. وتدين لهم الحركة الثقافية والأدبية والعلمية في هذه الأقطار بفضل عظيم. وعلينا أن لا ننسى أن المسيحية ديانة سماوية وأنها بهذا المعنى تنتمي إلى العائلة الإبراهمية نفسها التي ينتمي إليها الإسلام. لذا اقتضى هذا كله، وغيره، أن يُعاد النظر في هذه المسائل وأن تأخذ حقها من الاعتبار والتقدير والمراجعة. ولا شك أن الحوار الديني الإسلامي المسيحي يمكن أن يكون مؤثراً في هذه العملية. وعلى وجوه وعيون الطرفين، الإسلامي والمسيحي، تقع مهمة بذل الجهد في نشر معرفة حقيقية لكل دين لدى أتباع الدين الآخر، بحيث يدرك الجميع أن الأصول الروحية مشتركة، وأن العقائد الأساسية، برغم الاجتهادات والسجالات اللاهوتية والكلامية، واحدة. وفي هذا الصدد يتعين القول -بنبرة قوية- إن خير طريق لحياة المجتمع المشتركة يكمن في حياة قائمة على المساواة التامة بين المواطنين، وعلى نمط من الحكم "ديمقراطي تمثيلي" وعلى قوانين تُشتق من الفقه ومن القانون كليهما. كما أن من الضروري أن يكون جلياً أنه لا يجوز الربط بين انتماء المسيحيين العرب إلى المسيحية وبين انتماء الغرب إليها بحيث ينظر إلى المسيحيين العرب وكأنهم أمتداد للغرب ودعاة له، ففي ذلك جور وافتراء ظاهران.

وفي المسألة الثانية، مسألة العلائق مع الغرب، لا أحد يجهل خطورة النتائج التي ترتبت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما غلب من قول إننا بإزاء صراع ديني وصراع حضاري، وآثار ذلك على الحياة المدنية في المجتمعات العربية وعلى العلاقات الدينية الإسلامية المسيحية في هذه المجتمعات. ومن المؤكد أن ربط (الحرب على الإرهاب) بما يشبه أن يكون مشروعاً "صليبياً" جديداً قد ولد مشاعر بغيضةً في هذه المجتمعات. وأياً ما كانت طبيعة هذا الصراع فإن الخطر الأعظم الذي يمكن أن يتولد منه بالنسبة إلينينا هو أن تتعمق جذور الخلاف والصدام بيننا وبين "الآخرين" في الخارج ، وبيننا وبين أنفسنا في الداخل.

وهنا ينبغي أن تتلاقى جهود المسلمين والمسيحيين في العالم العربي من أجل دفع المخاطر المترتبة على هذا الصراع، وذلك بالعودة إلى الإعلاء من شأن القيم والمعايير والأخلاق الدينية المشتركة وتحكيمها في تقييم وتوجيه ما يحدث، وبأن يبذل المسيحيون العرب في الداخل وفي الخارج مساعيهم من أجل توضيح رسالة الإسلام في البيئات والمحافل الغربية، وإفهام الغرب أن الدين الإسلامي في ذاته دين رحمة وسلم لا دين كراهية وإرهاب وعنف، وأنه لا يضمر العداء والشر للغرب، وأن ما يحدث ليس إلا إنعكاساً لواقع مأزوم ولمشكلات مستعصية تتطلب حلولاً عادلةً. وعلى المسلمين، في الداخل، أن يتعرفوا بشكل أفضل على المسيحية ودلالاتها وقيمها المشتركة مع الإسلام. إن من شأن هذه الجهود أن تحد من المخاطر الداهمة وأن تعزز مسيرة العيش المشترك.

وفي المسألة الثالثة والأخيرة التي أخصها هنا بالاهتمام، مسألة الواقع الإنساني، أريد أن أشدد على قضية جوهرية هي أن مستقبل العيش المشترك الإسلامي المسيحي في المجتمعات العربية يطلب التوجه لا إلى الحوار اللاهوتي والخوض في قضايا العقيدة واللاهوت - حيث إن هذه القضايا تظل من شأن علماء الدين ورجال الدين والفلاسفة- وإنما إلى القضايا الإنسانية الملحة، وإلى المطالب الحياتية التي يجري البشر خلفها وعليها يقيمون حياتهم ومعاشهم ومستقبلهم. وفي رأيي أن في مقدمة هذه القضايا قضايا الفقر والجوع، والتربية والتعليم، وحقوق المرأة، وخفض الوفيات بين الأطفال، وتحسين الأوضاع الصحية ومكافحة الأمراض والأمراض السارية، وحماية البيئة، وتعزيز جهود التنمية.

وإذا ما اقترنت هذه السياسات الإنسانية بحوار عربي إسلامي مسيحي يُخَطًّطُ لها ويَسعى من أجل تحقيقها في الحياة المدنية المشتركة، وإذا ما اقترنت هذه السياسات بإنشاء مراكز علمية وثقافية مشتركة، وبالاحترام "والاعتراف" المتبادلين، وبثقافة دينية سليمة وتعارف روحي وحياتيّ لدى أتباع كلتا الديانتين، وذلك في ظل نظام اجتماعي سياسي قائم على العدالة والمساواة... إذا ما تحقق ذلك أمكن لنا جميعاً أن نقيم حياةً آمنةً طيبةً مطمئنةً، وأن نتجاوز معاً التحديات الكبرى التي تعترضنا، ونبدد الهواجس والمخاوف التي تجتاح نفوسنا جميعاً. رئيس منتدى الفكر العربيّ وراعيه: رئيس منتدى غرب آسيا وشمال أفريقيا: عضو في لجنة التمكين القانوني للفقراء: سفير الإيسيسكو للحوار بين الثقافات والحضارات: رئيس شرف منظمة المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام.