كن كاهناً لي
للأب ليف جيليه
((ليس كاهناً إلاّ واحدٌ))
لا يوجد كاهنٌ ،بالمعنى الكامل لكلمة كاهن، إلا واحدٌ وهو يسوع المسيح "المقرِّب والمقرَّب" بآن واحد، فذبيحة المسيح وضعت حداً للذبائح القديمة وللكنوت القديم وقُدمت هذه الذبيحة لله مرة وإلى الأبد لغفران الخطايا، غير أن يسوع أراد أن يشرك الناس في عمله الخلاصي المقدس ، لذلك جعل لنا نوعين من الكهنوت : كهنوت عام "ملوكي" وكهنوت خاص "أسراري".
الكهنوت العام والخاص كليهما ينبعان من كهنوت المسيح الوحيد. فالأسقُف والكاهن لا يتميزان سو أنهما يجسدان، في مكان معيّن وزمان
محدد، شفاعة المسيح الأبدية. وكهنوت الكاهن يتحقق ويفعَّل على قدر اتحاده بشخص المسيح المخلِّص وعمله، ولا يستطيع أحدٌ ما أن يكون كاهناً، حسب قلب الله، إلا بصيرورته واحداً مع المسيح يسوع الكاهن الأوحد.
محدد، شفاعة المسيح الأبدية. وكهنوت الكاهن يتحقق ويفعَّل على قدر اتحاده بشخص المسيح المخلِّص وعمله، ولا يستطيع أحدٌ ما أن يكون كاهناً، حسب قلب الله، إلا بصيرورته واحداً مع المسيح يسوع الكاهن الأوحد.
(()) الـدَّعـوة
هناك ثلاث طرق يوجه بها الكاهن الأعظم(يسوع المسيح) من خلالها الدعوة إلى الذين يريد إشراكهم في كهنوته الوحيد، هي:
1_ الإنتخاب: أي الإختيار أو التوكيل، حيث من يبدو الأفضل فهذا يجب إختياره.
2_ وضع الأيدي: أي الرسامة العلنية والرسمية القانونية كنسياً وبحسب التسلسل الرسولي ، أي بحسب النعمة المتصلة بتلك التي نالها الرسل أنفسهم من يسوع نفسه.
3_ الوعي للكهنوت: لا أحد يمكنه قبول الكهنوت إذا لم يكن لديه وعي أنه قد لاقى الرب يسوع مرةً في حياته لقاءً حميماً، وسمع منه هذا النداء الشخصي "كن كاهني".
((غـــســل الأرجـــــل ))
تمم يسوع الخدمتين الكهنوتيتين الأساسيتين، يكسر يسوع لتلاميذه خبز الكلمة، يستودعهم توجيهاته الخيرة التي ينهيها بصلاة دعيت بحق و امتياز ( الصلاة الكهنوتية ).
و لكن يسوع يمهد لخدمته الكهنوتية المزدوجة هذه بعمل آخر: غنه يغسل أرجل تلاميذه و غسل الأرجل لا يحمل فقط معنى تطهير ضروري من جهة أنه مسح للغبار و لكن غسل الأرجل هو سر تواضع و محبة و لقد أشار يسوع على نفسه في الإنجيل قائلاً أنه ((خادم)) .
إن كاهن يسوع لا يستطيع أن يتمم هذه الخدمة الكهنوتية المزدوجة ويثمر فيها بمعنى أن يكسر خبز الكلمة و يكسر خبز عشاء الرب السري ما لم يركع مثل سيده عند أقدام الناس في موقف تواضع فبدون هذا الشرط الأول لن تؤدي خدمته ثمرها الكاهن لا يسعى لجاه أو سلطة و هو لن يكون الخادم المتواضع لأسقفه بل سيكون للجميع خادماً متواضعاً كما أن على الكاهن أن يكون أمام معارضة تواجهه حليماً ومحباً و عليه أيضاً أن يشكر الله على نعمه التي يغدقها على نفوس ذوي الصلاح حيثما وجدت كما أن عليه أن يضاعف الصبر و المحبة إزاء كل معارضة تواجهه حتى وإن تحولت هذه المعارضة إلى إهانة و اضطهاد يلتزم الكاهن أولاً الذين يتألمون كما أن على الكاهن أن يلتصق بالمحتضرين، بالمرضى، بالمساجين، بالمضطهدين، بالفقراء المساكين و يكون إحسانه تعزية أو مالاً يغدقهما .و لا يحقق الكاهن شيئاً طالما هو لم يقاسم الآخر ثقله و يقتضي من الكاهن تواضعاً يميت الخطيئة ولا يدين الخاطئ . كيف يستطيع الكاهن إذا غسل رجلي الخاطئ ربما بالتحدث إليه أو ربما بأن يتبين عنده ناحية الخير ، تلك التي ليست غائبة أبداً عن أية حياة بشرية.
(( الـكاهـن وكـلمـة الـلـه ))
و يفترض في الكاهن أن يتهيأ لهذه القراءة بأن يتلو في كل مرة تلاوة شخصية النصوص المقدسة التي عليه تلاوتها أمام الشعب كما أن يكشف للمؤمنين عن معنى في هذه النصوص جديد و أكثر عمقاً ، هي للكاهن حدثاً شخصياً، أعلاناً فإنها ستصير هكذا للمؤمنين كما أن عليه أن يعرف إلى حد ما كيف ينوه من خلال صوته نبرته وقفاته بالكلمات الأساسية بحيث يحس المؤمنون أنها المرة الأولى التي يسمعون فيها و يفهمون العبارات القديمة . ثم أن على الكاهن أن يشرح الكلمة الإلهية التي تكون قد تليت فهذا هو هدف العظة و يتوقف على الكاهن أن تكون عظته مجرد كلمة إنسانية أو أن تكون توسيعاً لكلمة الله.
تستطيع العظة أيضاً أن تكون كلمة الله إذا صارت الصدى الأمين للكتاب المقدس. ليست العظة الجيدة مسابقة أدبية أو هملاً خطابياً بحيث تكون العظة موجزة و بسيطة يجب أن تقول شيئاً واحداً يجب على العظة أن تضع السامع في حضور كلمة إلهية تنطبق على حالته الخاصة ، ثمة حالات يستطيع فيها الكاهن أن يبدي رأيه بصراحة في مسائل عامة خطيرة كما وينبغي له في هذه الحالات أيضاً أن يهاجم الظلم الاجتماعي و كل أخطاء المجتمع ، و لكن العظة يجب أن تكون ذات طابع إنجيلي شخصي إذ ينبغي أن يحس كل سامع أن العظة موجهة إليه وحده إلا أذا استلهم الرب بإلحاح و عليه أن يتصور الحاجات الخاصة لمختلف أعضاء الجماعة ، كما أن عليه السعي إلى أ، يعبر أسبوعاً بعد أسبوع عما يكون الرب قد كشفه له من وقائع الحياة اليومية و ذلك بطريقة اختباريه نوعاً ما ، هذا يفترض أن يتغذى الكاهن من الكتاب المقدس و يعيشه و بهذا يحمل المؤمنين على أن يطالعوا كل يوم بضع آيات من الكتاب المقدس و لن يؤثر أبداً على الشباب إذا قدم العقائد بطريقة تقنية مجردة بل سوف يكون عليه أيربط كل بند في العقيدة أو الأخلاق بأحد نصوص الكتاب المقدس . سوف يظهر أن عقائد الثالوث المقدس و التجسد والفداء ليست حقائق بعيدة عن حياتنا الشخصية في النهاية هو خلق علاقة حميمة و شخصية بين يسوع المسيح وكل نفس بل هذا الإيمان الحي المقصود فعل ثقة وطاعة كاملتين بهما تقدم القلب ذاته للمخلص كل سر يتأسس على كلمة الله المكتوبة . كل سر يتخذ فعله و قوته من كلمة الله مقوله.
كل سر هو مناسبة جد مواتية لإعلان كلمة الله وشرحها ، عندما يمنح الكاهن سر المعمودية سر الميرون، سر الزواج ، أو سر مسحة المرضى ، إن سر التوبة إعلان أ، ينتبه المؤمنون إلى ضرورة عدم الخلط بين الإرشادات الروحية .
في النهاية لا بد للكاهن نفسه أن يمارس الإصغاء الداخلي إلى كلمة الله و يعلم المؤمنين كيف يمارسون هم هذا الإصغاء.
((الــكــاهن أمــام الــمــذبــح))
إن الكاهن مدعو خلال كل ذبيحة إلهية على أن يحقق من جديد الخدمة الكهنوتية التي تممها مخلصنا يسوع المسيح في العشاء السري عشية موته ، في هذه الذبيحة غير الدموية يحقق الكاهن كهنوته بصورة كاملة.
الكاهن المسيحي هو أولاً مقرب ذبيحة و لكنه ليس كذلك إلا على قدر اشتراكه في كهنوت يسوع المسيح كاهننا الوحيد والأعظم.
إن ذبيحة المسيح هو مركز الصلاة المسيحية وقمتها من أجل ذلك سيجتهد الكاهن في تأدية الطقوس الكنسية بدقة وبساطة و وقار و أن يتلى كل نص بطريقة تجعل الجميع يفهمون و تكون مقبولة لدى الله.
و لن يتوانى الكاهن عن تذكير المؤمنين دائماً بـ ((أنكم لا تأتون للكنيسة فقط لتسبحوا الرب و تصل أليه وتسمعون كلمته ، أنكم تأتون لتتحدوا صميمياً بآلام ربنا يسوع المسيح)).
و سيفسر الكاهن للمؤمنين ايضاً أن الذبيحة المقدسة ليست فقط تناول جسد المخلص ودمه أنها كذلك ذبيحة روحية ومما لا شك فيه أن ذبيحة الصليب التي تمحق خطيئة العالم قد قربت مرة وغلى الأبد فليست ذبائحنا الأرضية ذبائح جديدة لكنها ذبائح تمنح البشرية اليومنعمة ذبيحة المسيح الوحيدة والأبدية .و إذا صار لنا الخبز والخمر جسد يسوع المسيح و دمه فإنما هذا بفعل حلول الروح القدس و كثيراً ما يتضرع الكاهن من أجل أن يحل الروح القدس (( علينا وعلى القرابين الموضوعة )).
من هنا نلاحظ أن الروح القدس لا يحل على القرابين المقدسة فقط بل علينا أيضاً.
كما ينبغي على الكاهن دائماً أن يقرن ابتهالاته إلى الروح القدس بعبارة صامتة تدل على أهمية هذه الابتهالات ، كل قداس إلهي بالتالي رسم للعنصرة بقدر ما هو رسم للآلام الخلاصية، الروح القدس يحل علينا وفيما بيننا ، فلنفتح له قلوبنا بالكلية .
عندما يرفع الكاهن القرابين المقدسة قائلاً : (( التي لك حمالك نقدمها لك على كل شيء و من اجل كل شيء )) يكون قد بلغ النقطة المركزية و اللحظة الأساسية للفصل الشفاعي . في هذه اللحظة يظهر الكاهن مبررو جوده وخدمته بالنسبة للعالم أجمع ، فهو يقدم الحمل الذي يخلص العالم ، كل هذه الصلوات الطويلة وكل هذا التعداد للحاجات التي يتتالى ذكرها أثناء القداس – و التي فيبها يحق للكاهن أن يذكر بعض الأسماء وبعض الطلبات التي تستدعيها الظروف – تتجه نحو هذه الذبيحة الإلهية ، فمغبوط الكاهن الذي يشعر في هذا الوقت بانه يحق مقصده الشخصي و يصل إلى غاية حياته .
الكاهن و المؤمنون معاً يقربون يسوع المسيح ذبيحاً و المسيح يجعل الكاهن والمؤمنين من ذواتهم قرابين مع المسيح وفي المسيح ، و هذا يعني أننا جميعاً منغمسون روحياً في دم المسيح فنصير بذلك مشاركين آ لامه و موته وقيامته .
فالإنسان العتيق الخاطئ ذبح ليحل محله الإنسان الجديد في المسيح ، أن سيف آلام المسيح يجوز في خطايانا و كل شهواتنا الضارة ليميتها ، لقد بطل الإنسان الأناني الذي كناه.
فالإنسان الخارج من الكنيسة بعد القداس ليس هو ذاته الذي دخل إلا أن ما يدعو للأسف ل أن معظم المؤمنين لا يكلفون أنفسهم مجرد التفكير في ما تتطلبه منهم الذبيحة الإلهية .
كما يرمز بالماء الذي يصبه في الخمر مشيراً بذلك على أنه يلقي فس المسيح حياة المساكين و دموعهم و إذ يصلي الكاهن من أجل الخاطئ و المجرم والزانية فهو يوحد نفسه بهم ويضيف قائلاً : (( هؤلاء الذين أنا أولهم...... )).كما ينبغي أن تصح في الكاهن أكثر من أي أحد غيره كلمات بولس الرسول ( لا يسعكم أن تشربوا كاس الرب و كأس الشياطين ، و لا يسعكم أن تشتركوا في مائدة الرب و مائدة الشيطان، فمن أكل خبز الرب أو شرب كاسه و لم يكن أهلاً لهما فقد جنى على جسد الرب ودمه ، فليحاسب الإنسان نفسه )).
(( يذبح حمل الله ويوزع )) هكذا نقول في خدمة القداس الإلهي وهذا يعني أن الذبيحة الإلهية ليست مقربة فقط و لكنها أيضا موزعة بالمناولة . غلا أ، اشتراك المؤمنين في عشاء الر ب السري يثير للكاهن مسائل عملية صعبة : هل يجب الحث على المناولة المتواترة ؟ أم هل يجب بالمقابل صيانة قدسية المناولة بجعلها نادرة ؟ ليس من شك أن المخلص يدعو إلى مائدته المقدسة كل من نقى ضميره و يرغب صادقاً في الاتحاد بخبز الحياة .
و من المؤكد ايضاً أن رغبة الكنيسة هي في أن يتقدم المؤمنون في أكثر الأحيان إلى الأسرار المقدسة ، ومن الخطأ اعتبار المناولة مكافأة للصالحين، فالمناولة دواء للخطأة و هي وحدها القادرة على أن تساعد نفساً ضعيفة لطرد التجربة و القيام بسرعة بعد السقطات، إلا أنه يجب السهر من جهة أخرى على ألا تتم المناولة المتواترة باستخفاف و ألا تصير مجرد عادة وروتين و ألا تشجع نوعاً من المادية في (( السر )) يطغى فيها الفعل الظاهري على الرغبة الصادقة و عمل النعمة.
كما ينبغي على الكاهن في بعض الحالات أن يقبل بامتناع البعض عن التقدم إلى تناول القرابين المقدسة و هو إ، كان عليه أن يقبل بهذا الامتناع عن عمل عظيم في حد ذاته كالمناولة فإنما ذلك رافة منه بمن يمتنع ورحمة .
بالمقابل لا يستطيع الكاهن إلا أن يفرح عندما يرى المؤمنين يتقدمون في أكثر الأحيان وباستحقاق إلى المناولة. لذا عليه أن يلح على ضرورة أن لا يدع المؤمنون المواسم الكنسية تمر دون أن يتحدوا بجسد الرب و دمه.
و فيما يلي النقاط التي ينبغي للكاهن الحث عليها باستمرار:
- أن المناولة هي الاشتراك في ذبيحة الصليب الفادية. المناولة تتحدنا بكل الناس الذين هم أعضاء جسد المسيح و المناولة تتجاوز كل تمييز عرقي، طبقي وقومي.
- يجب غلينا في المناولة أن نحمل كل حاجات الناس و آلامهم وأخطائهم و توبتهم و أن نلقي كل ذلك مع روحنا ايضاً على قلب المخلص الرحيم .
إن اشتراكنا في جسد يسوع المسيح ودمه هو الذي يربطنا أوثق ما يكون بالقديسين بنفوس المطوبين والكلية الطهارة مريم أم البشر .
- أن نستعد للمناولة بالصلاة الداخلية القلبية و الصفح ومحبة القريب .
- أخيراً عندما نتناول ينبغي لنا أن نرى في هذا العمل إعلاناً لملكوت الله الآتي و بداية له منذ الآن، فنحن نتجاوز منذ الآن حدود أوضاعنا الأرضية.
فلنتعود من الآن أن نضع قلبنا في الجهة المقابلة لحدودنا الأرضية، أي في ((أرض)) المسيح.
(( الكـاهن وربُّـه ))
أن حياة الكاهن اليومية ينبغي أن تكون امتداداً لخدمة الذبيحة الإلهية بطريقة أخرى في الشارع تبتدئ عند خروجه من الكنيسة ، من جهة أخرى على الكاهن أن لا يسعى إلى ((سبق)) في المال أو الرفاهية أو ما يشبع حب الذات فيه و لا يبشر الكاهن الناس متكلاً على كلمته هو بشكل خاص بقد ما يبشرهم عندما يحمل إليهم و بدون علم منه حضور المسيح و عندما يدع هذا الحضور يفعل فيه ليثمر لا ثمار فصاحة في الكلام بل ثمار ذبيحة يومية، و على الكاهن بالتالي أن يصير هو المقرب مثلما هو المقرب و ذلك تشبهاً بالمسيح الذي هو الكاهن و الذبيحة و المقرب و القرب في آن .
فمصير الكاهن لا ينفصل عن مصير جسد الرب يسوع المسيح و دمه .
و إذا صار الكاهن نفساً – ذبيحة يستطيع إذ ذاك أن يقوم بالمهمة الرسولية التي يقول فيها الرسول بولس :
(( فأُتمُّ في جسدي ما نقص من آلام المسيح )).