يوحنا السلمي
حياة القديس باللغة العربية (مطرانية حلب والاسكندرون وتوابعهما للروم الأرثوذكس
يوحنا السينائي نسبة إلى سيناء وسمي السلمي لأنه ألّف كتاب "سلم الفضائل". حداثته مجهولة سوى أن لقب العلاّمة الذي لقب به وهو على قيد الحياة يفترض تحصيلاً ثقافياً واسعاً، وجل ما يعرف عنه يُقتبس من كتاباته. في السادسة عشرة من عمره تتلمذ لأحد شيوخ دير جبل سيناء، أي دير القديسة كاترين، وفي سن العشرين من عمره اعتزل في الصحراء متوحداً. قضى أربعين سنةً في خلوته مجاهداً جهاد التوبة والصلاة ومختبراً فنون الحرب اللامنظورة وحلاوة مناجاة الله. وكان في خلوته يستقبل
من يأتونه للاسترشاد من رهبان وعلمانيين، ويزور المرضى المتوحدين متفقداً كما نعرف من كتابه. ثم انتخب رئيساً لدير جبل سيناء، ولا يعرف بالضبط مقدار الزمن الذي تولّى فيه القديس يوحنا رئاسة دير جبل سيناء ولكنه استقال من الرئاسة ليعود إلى خلوته قبل وفاته. عاش حوالي خمس وسبعين سنةً وتوفي سنة 600 أو قبلها بقليل. طلب إليه الأب يوحنا رئيس دير رايثو أن يكتب إرشادات للرهبان، فوضع كتاباً اسمه "السلم" سمي فيما بعد سلم السماء أو درجات الفضائل أو السلم المقدسة.
تسمية السلم مستوحاة من رؤيا يعقوب (تكوين 28: 12-13)، هذا ويستشف من كتابه أنه كان ذا شخصية قوية حرّة لقد شاهد وسمع في حياته أموراً كثيرة فيرويها ويقيّمها تقيّماً شخصياً غير آبه بمخالفته للآراء السائدة أحياناً، ويبدو جليّاً أنه مطّلع كلّ الإطلاع على أحوال الناس العائشين في وسط العالم وعلى آرائهم وعاداتهم ونفسيتهم وأنه يعرف النفس البشرية معرفة عميقة ويحللها تحليلاً دقيقاً جديراً بعلماء النفس اليوم وهو مستعد دائماً للإقرار بضعفه مما يجعله من المعلّمين الروحانيين الأكثر إنسانية. رتّب القديس يوحنا في كتابه ثلاثين درجة إشارة إلى سني يسوع الثلاثين قبل ظهوره للعالم وترمز السلّم بصورة عامة إلى مسيرة الكمال باعتبارها صعوداً روحياً نحو الله و إلى صليب المسيح باعتباره الطريق الوحيد الذي يجمع بين الأرض والسماء فإن كتاب السلّم يعدّ أيضاً كتاباً فريداً من نوعه نظراً لشخصية مؤلفه القوية وسعة معرفته وعمق خبرته الروحية وطريقته في البحث متصفاً ومتميزاً بالانسجام والغنى معا. الكتاب نافع لكل مسيحي يبتغي طريق الكمال، ضمّنه القديس يوحنا السلمي خبرته، فقد شاهد وسمع في حياته أموراً كثيرة، يرويها ويقيمها تقييماً شخصياً غير آبه بمخالفته الآراء السائدة أحياناً. رتّب القديس يوحنا السلمي في كتابه ثلاثين درجة يرتقيها طالب الكمال مجاهداً من الزهد بالعالم إلى الاتحاد بالله مروراً بمحاربة الأهواء واكتساب الفضائل: الصبر والوداعة والتواضع.
تعيّد له الكنيسة في الثلاثين من آذار وفي الأحد الرابع من الصوم الكبير.
من كتاب السلم إلى الله
(ترجم الى العربية من قبل رهبنة القديس جاورجيوس دير الحرف وصدر عن منشورات النور)
عاتب شيخ أحد الاخوة على تكبره معاتبة روحية. فأجاب الأخ: اغفر لي يا أبي فإني لست متكبراً. فقال له الشيخ الكلي الحكمة: يا ولدي، أي برهان تعطينا على تكبرك أوضح من قولك "لست متكبراً"؟
لا تتشامخ وأنت من الأرض لأن كثيرين قد أُهبطوا من السماء وهم قديسون وغير جسديين.
المتكبر رمانة مهترئة في داخلها تلمع بهية في ظاهرها.
ينشأ الغرور من نسيان الزلات لأن ذكرها يؤول إلى الاتضاع.
في قلوب المتكبرين تنشأ أقوال التجديف، وفي نفوس المتضعين تأملات سماوية.
إذا ما قمنا نصلي قامت علينا تلك الأفكار النجسة والممتنع النطق بها. لكنها تنصرف حالاً إذا تابعنا صلاتنا لأنها لا تحارب محاربيها.
الوداعة صخرة على شاطئ بحر الغضب، تكسر كافة الأمواج التي تلطمها ولا تتحرك أو تضطرب البتة.
من يظن أنه غير متعلق بشيء يملكه ويغتم لفقده هو مخدوع تمامًا.
اهرب من أماكن السقطات هربك من السياط، لأنك لا تشتهي الثمرة اشتهاء متواصلاً اذا كانت غائبة عنك.
لنقرّ بخطايانا لقاضينا الصالح وحده قبل اي انسان. وان أمرنا فلنعترف بها لكل الناس. لأن الجراحات اذا شُهرت لا تصير الى حال اسوأ بل تشفى.
يعرف المرء صدق حبه لأخيه ومودته له متى حزن لهفواته وفرح لتقدمه وما يناله من النعم.
من يطيع الله احيانًا ويعصاه احيانًا اخرى يشبه رجلاً يقطر في عينيه دواء احيانًا، واحيانًا احد الحوامض (اسيد). وقد قيل: "واحد بنى وآخر هدم، فماذا انتفعنا سوى التعب؟".
إن خادم الله هو الذي اثناء الصلاة يقرع بعقله السماوات فيما جسده بين الناس.
من مات عن الاشياء كلها يأتي الى ذكر الموت. اما من لا يزال متمسكا بالعالم فيتآمر على نفسه.
قال احدهم انه يتعذر علينا ان نعبر يومنا ببر وتقوى ان لم نحسبه اليوم الأخير من عمرنا.
الحقد ثمرة الغضب وادخار للخطايا ومقت للبر واضمحلال للفضائل وسم للنفس ودودة للعقل وخزي للصلاة وقطع للتضرع واغتراب عن المحبة ومسمار في النفس وخطيئة مستمرة ومعصية لا تنام وشر قائم في كل ساعة.
من اقتنى المحبة فقد أقصى الحقد.
رأيت البعض يقترفون سرًا وخفية خطايا فظيعة، ونظرًا لما كان يتوهمه الناس من طهارتهم كانوا يحتقرون جهرًا ويهاجمون بقسوة الذين يذنبون ذنوبًا صغيرة.
الكذب يطفئ المحبة، واليمين الكاذبة إنكار لله.
ابتداء حب المال التذرع بالإحسان الى الفقراء ونهايته مقت الفقراء. ما دام محب المال يجمع فهو رحيم، ومتى حضرت الأموال أطبق عليها يده.
نقلاً عن