أحد السجود للصليب الكريم
(الأحد الثالث من الصوم)
في منتصف الصوم، تنصب الكنيسة أمامنا صليب المسيح. وتفعل ذلك مرتين أخريين في السنة، في 14 أيلول وأول آب، معيدة الصليب إلى ذاكرتنا وتكريمنا. وفي هذين العيدين يرتبط السجود للصليب بحوادث تاريخية (18). أمّا تذكار الصليب في الأحد الثالث من الصوم، فيستدعي فقط إيماننا وتقوانا، إذ يدور الأمر حول الجهر بدور الصليب في تاريخ الخلاص وحول استعدادنا لرؤية هذا الصليب الذي سيقام يوم الجمعة العظيم على الجلجلة التي ما زالت بعيدة.
خلال صلاة السَحَر، نحو نهاية الذكصولوجية الكبرى، يضع الكاهن صليباً على طبق مزيّن بالزهور. وإذ يحمل الصليب فوق رأسه، يخرج من الهيكل، تتقدمه شموع مضاءة وبخور. عندما يصل
إلى وسط الكنيسة، يضع الصليب على طاولة، ثم يبخره وترنم الجوقة: لصليبك يا سيّدنا نسجد ولقيامتك المقدسة نمجّد). ثم يأتي الشعب ليقبّل الصليب الذي يبقى معروضاً هكذا في وسط الكنيسة خلال العيد كله. وتعبّر الترنيمة التالية من صلاة السَحَر تعبيراً جيداً عن معنى هذا العيد:
(إذ نشاهد اليوم صليب المسيح الكريم موضوعاً، فلنسجد له بإيمان فرحين، ونعانقه بشوق، مبتهلين إلى الرب الذي صُلب عليه بمشيئته، أن يؤهلنا جميعاً للسجود للصليب الكريم وأن نبلغ نهار القيامة جميعاً ونحن لا دينونة علينا).
تحثنا الرسالة التي تتلى في القداس (عبر 14:4- 6:5) أن نُقبل بثقة إلى عرش النعمة لننال غفران خطايانا بما أن يسوع هو كاهننا العظيم. (فإن الحبر الذي لنا ليس ممن لا يستطيع أن يرثي لأمراضنا: بل قد جُرِّب في كل شيء مثلنا ما خلا الخطيئة).
ويذكرنا الإنجيل (مرقس 34:8- 1:9) بكلمات المعلّم الهامة والملحاح: (من أراد أن يتبعني، فليفكر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني، لأن الذي يريد أن يخلّص نفسه يفقدها، وأمّا الذي يفقد نفسه من أجلي ومن أجل البشارة فإنه يجدها). هل أنا مستعد أن أتبع المسيح حاملاً الصليب (لا الصليب الذي أكون قد اخترته بل الصليب الذي يضعه هو نفسه على كاهلي ؟) هل أنا مستعد أن أقبل جميع المِحَنْ أو الآلام التي يمكن أن تطرأ عليّ، كاشتراك في صليب المخلّص؟ عندما أدنو بعد هنيهة من الصليب المعروض في وسط الكنيسة وأقبلّه، أستكون قبلتي قبلة خاطئ غير تائب، قبلة يهوذا، أم حركة احترام سطحية لا تغيّر شيئاً في حياتي، أم علامة سجود وإيمان وحنان تُلزم وجودي برمته ؟
إن إنجيل هذا اليوم ينتهي بهذه العبارة: (الحق أقول لكم: في جملة الحضور ههنا من لا يذوقون الموت، حتى يشاهدوا ملكوت الله آتياً بقوة). فليس المقصود هنا مجيء المسيح الثاني المجيد، في نهاية العالم. المقصود هو مجيء المسيح بقوة، الذي تم في العنصرة وكان الجيل المسيحي الأول شاهداً له. لكن المقصود أيضاً هو مجيء غير منظور، غير مشهدي للملكوت في النفوس المؤمنة الورعة. حبذا لو يكون مصيري الشخصي هكذا، حبذا لو أن الموت لا يدركني دون أن يتمكن ملك يسوع من نفسي.
النادم هو بخاصة هذا الاستسلام إلى الله, هذه الثقة المطلقة في رحمته الرقيقة وشفقته.
http://www.serafemsarof.com/vb/showpost-p_11810-postcount_1.html
http://www.serafemsarof.com/vb/showpost-p_11810-postcount_1.html