Monday, February 8, 2010

أحد مرفع الجبن
بعد أن أمسكنا عن اللحم الأسبوع الماضي نبدأ غدًا الإثنين الصيام المقدّس فنرفع كل مشتقّات اللّحم (الأجبان والألبان) عن الموائد. لذلك سمّي اليوم الذي نحن فيه مرفع الجبن وتبدأ القراءة الإنجيلية بقول السيّد:"إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي أيضًا، وإن لم تغفروا للناس زلاتهم فأبوكم أيضًا لا يغفر لكم زلاتكم". لذلك يسمّى أيضا هذا اليوم أحد الغفران وتنتهي صلاة الغروب فيه أن كلاً من المؤمنين الحاضرين يستغفر الآخر، وفي بعض كنائسنا الأرثوذكسيّة ليس فقط يستغفر بالكلام ولكن يجثو كل من المؤمنين أمام الآخر ويقبّله



المهم إن أساء أحد إليك الا تقيم عليه خطيئة لعلّه يعود الى محبّتك. المهم الا تشقى أنت بالإساءة التي وجّهت اليك وأن تنسى جرحك لئلا تصبح سجينه.
المطلوب منك أن تنتقل من جرحك الى بناء الآخر وخدمته وأن تسعى اليه سعي الراعي الى الخروف الضال وأن تجعل في قلب المسيء السلام ليحس بأنّه أضحى أخاك وابن الرب الذي في السماء. فاذا ما بقيت على حقدك وغضبك تصبح أنت تسيء الظن بكل تحرك يصدر عن المسيء فتحوّله الى عدو دائم.
بعد هذا ينتقل يسوع الى مظهرنا في الصوم. كان الوجه المتجهّم في الصوم شائعا عند اليهود. هذا لم يبقَ معروفًا في أوساطنا، ولكن لنذكر أنه واجبنا أن نصوم بفرح ولا نتأفّف من طول امتناعنا عن بعض الأطعمة. ومن اعتاد على الصوم عندنا فيتمنّى أن يبقى عليه في انتظار العيد.

أخيرًا يقول السيّد:"لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض حيث يُفسد السوس والآكلة وينقب السارقون ويسرقون. لكن اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يُفسد سوس ولا آكلة ولا ينقب السارقون ويسرقون، لأنّه حيث تكون كنوزكم هناك تكون قلوبكم". هذا الكلام مرتبط بالصوم عندنا فإنّ معلّما مسيحيّا في القرن الثاني للميلاد رفع رسالة الى الإمبراطور الروماني ويقول له : "لماذا تضطهدنا ونحن قوم محبّون لأنّه اذا جاع واحد منّا نمتنع عن الطعام ونعطي الجائع ثمنه". فالصوم لم يكن للتقشّف الا لكونه كان تعبيرا عن المحبّة. ولذلك شهد أحد آبائنا القديسين في القرن الرابع انه ليس جائع واحد في روما، مسيحيّا كان أم وثنيًّا، لأن المسيحيّين يصومون ويعطون الناس جميعا من أموالهم.

الإحسان اذًا واجب في الصوم، وعند ذاك لا يُعتبر المال شيئًا عظيما. في الصدقة تربّي نفسك على أنّ الله وحده هو القيمة الكبرى. "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ولكن بكل كلمة تخرج من فم الله". الصوم تاليًا يحوّلنا الى أنّ الله هو مشتهانا الكبير وأن الشهوة الرديئة تحوّلنا الى عدم.

لذلك قال بولس في رسالة اليوم:"إن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنّا. قد تناهى الليل واقترب النهار"، ويؤكّد :"لا تهتمّوا لأجسادكم لقضاء شهواتها" ويذكر عدة خطايا ومنها الحسد والخصام، وينهي بقوله: "البسوا الرب يسوع" ويريد بذلك أن التصقوا به كما يلتصق الثوب بالجسد فلا تبقى هوّة بينكم وبين المسيح. فالشهوات تتوالد وتتماسك0 فالكذب موجود دائما عند السارق وموجود غالبا عند الزاني. وبسبب تماسك الخطايا يقول الرسول:"محبّة المال أصل كل الشرور". نحن نعرف عائلات انهارت بسبب البخل اذ تحس المرأة انه تعبير عن عدم محبّة زوجها.

لماذا تعشق المال اذا كنت لا تخاف من الموت؟ كل من أخطأ تحسبه الرسالة الى العبرانيين انه يعيش في العبوديّة مخافة من الموت. المسيح القائم من بين الأموات الذي تتوق اليه أنت بالصوم هو وحده الذي يحرّرك من عبودية الموت لأنّه قد غلبه في جسده. والصوم يعلّمك أن تصير توّاقًا الى المسيح وأن تستطيبه هو وأن تتناول جسده ودمه الكريمين ليس فقط في الآحاد ولكن في القداس السابق تقديسه الذي نقيمه الاربعاء والجمعة في كل أسابيع الصيام. واذا اشتركت في صلاة النوم الكبرى يوما بعد يوم، تحس بحاجتك الى الصلاة أي الى يسوع وأنت دائما فقير اليه والى أبيه وروحه القدوس، وتعرف نفسك خاطئا وتائبا بآن. الصوم زمن التجلّيات الكبرى والذوق الروحي العظيم. لذلك سمّاه آباؤنا ربيع النفس. خذ هذا الربيع اليك.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).