أحد القديس غريغوريوس بالاماس
الأحد الثاني في الصوم الأربعيني المقدس خصصته الكنيسة لأحد أهم قديسيها ، غريغوريوس بالاماس أسقف تيسالونيكي في اليونان ، اعلنت قداستـه كنيسة القسطنطينيـة السنة الـ 1368 ( بعد رقاده بتسع سنوات ) وجعلت عيده في الأحد الثاني مـن الصوم تكريسا لإكرام شعبي لـه في مناطق مختلـفـة مـن اليـونان، وفي هـذا جاء تطويبه والتعيـيد لـه دعما لمجمعَيْن عُقدا في عاصمة الروم في القـرن الـرابع عشر حيث أعلنـت الكنيسة إيمانها بأن النعمـة الإلهية التي تقدسنـا هي نـور إلهـي أزلـي، غير مخلـوق فميزت بين
جوهر إلهـي لا يساهم فيه احد والقدرات الإلهيـة التي نساهـم فيها فتحـل فينا وان كانـت بـدورهـا غير مخلـوقـة. فقوة التقـديس التي فيـك الآن قائمـة مع الـلـه وتأتيـك الآن.
. الأحد الماضي كان احد الارثوذكسية الـذي أَعلـنّا فيه تكريمنا للايقونات تعبيـرا عـن استقـامة الرأي ؛ اليـوم استقامة الرأي هي في قبول تعليم غريغوريوس عن القوى غير المخلوقـة الـذي نقـول فيه ان اللـه لا نعرفـه في جوهـره ولن نعرفه في جوهره ولكن لنا منه نـور غير مخلوق ازلي ولكنه ليس الجوهر. هكذا نعرّف النعمـة . النعمـة، حتى تقدّسنا حقيقـةً وتقيم الله فينا، ينبغي ان تكون غير مخلوقـة، فعندما نقول ان الانسان يتأله -حسب عبارة الآباء- نريد بذلك ان الانسان ينـزل اليه النـور الإلـهي نفسـه ويجـعلـه فوق الانفعـالات البشريـة والهوى .
في تعليـم كنيستـنا ان الانسان - نفسا وجسـدا- يصل الى المسيـح منـذ هذه الحياة، ولا يصل اليه الإنسان بعقلـه كما يريد الغرب ، اذ ليس مـن انفصال بين العقـل والمادة. نحن ضد هـذه الثنـائيـة لإيـماننا بـوحدة الكيان البشري. الـفصل بين العنصر العقـلي والعنصر الجسدي شيء مـن الفلسفة اليونانية. ما كان يهتـم لـه غريغوريوس هـو ان معرفتنا لـه مستحيلة بلا الفضيلة اذ يجب ان نسمو الأحاسيسَ والفكرَ معا ونسلم للقوة الآتية الينا مـن الصلاة، فلا معرفـة عندنا مستقلة عـن الطهارة وتَحرُّرنا مـن الأهواء. ان معرفتنا للحقيقة لا تأتي مـن الدراسات ولكن مـن النقـاوة ؛ ففي النسك وممارسة الفضائل نبلغ معرفة الحقيقة وذلك اذا اتحد الجسد والنـفس بالنـور غير المخلوق، فبعد ان تجسد ابـن الله صار الجسد مكرَّما وكما تبنى الـرب يسـوع الجسدَ نتبنى نحن جسدنا بالنعـمة .
غريغوريوس بالاماس ندعوه "كوكب الرأي المستقيم وسند الكنيسة ومعلّمها". كذلك نسميه "مسكن الهدؤ" لأن الذين اتبعوه من الرهبان واشتهر بدفاعاته عنهم نسميهم اهل الهدوء لكونهم يؤمنون بأن الصفاء الداخلي والحرية من الخطيئة انما يأتيان الانسان اذا تغلّب على انفعالاته العميقة، تلك التي تولد الخطيئة فيه؛ فاذا كنت انت مضغوطا من داخلك وفي عاصفة الخطايا لا يمكنك ان تعاين الله في هذا العمر ولا في الدهر الآتي .
اهمية بالاماس الكبرى انه اوصل تعليمنا عن ارتقاء الانسان الى الألوهية الى ذروته ، فهل ندرك الله بعقولنا كما زعم راهب ايطالي اسمه برلعام؟ تصدى له القديس غريغوريوس بناء على كل التراث ان العقل البشري لا يستوعب الله وان الرؤية هي رؤية نور إلهي غير مخلوق ينزل علينا بحيث نتجلى كما تجلى المسيح على الجبل. وهذا الذي شاهده الرسول ما كان بنور حسي. انه نُور المسيح الذي كان فيه وبدا عليه وعلى وجهه وثيابه.
هنا ميز القديس غريغوريوس بين الجوهر الإلهي والأفعال او القوى الإلهية. فالجوهر او الطبيعة لا نقدر ان نساهمهما. لا تخترق انت الجوهر والإ تصير منه. ولكن هناك نور محيط بالجوهر الإلهي، ازلي ينزل عليك فتتأله. الانسان قادر ان يصير إلها بهذا المعنى.
هذا تعليم خاص بالكنيسة الارثوذكسية وهو وحده يشرح بكلمات لاهوتية كيف ان الله يقيم فيك وكيف ان كل ما فيه- ما عدا صفة الخالق- يأتي وينسكب عليك.
وهنا لا تقول الكنيسة الارثوذكسية ان هذا النور ينسكب في النفس فقط ولكن في الكيان البشري كله اذ ليس عندنا تفريق بين النفس والجسد. ليس من ثنائية. يتناول الانسان جسد الرب" لصحّتي النفس والجسد". يمسح بالميرون جسده وليس فقط نفسه. القيامة الأخيرة التي نؤمن بها هي قيامة الأجساد واشتراكها مع النفس في الرؤية الإلهية. الذي ظهر على التلاميذ هو الرب كما عرفوه. جسده القيامي عليه نور ومجد كان يسوع اخفاهما عن الأنظار لمّا كان بيننا على الأرض.
كانـت اهـمـيــة القديس غريغــوريـوس پـالامـاس ان رأى كل ذلـك وقال لمثقــفـي عصره المكتــفين بالفلسـفـة ان هـذه لا تفـهم شيـئـا بلا إلـه، ولذلـك لا نخـوض نحن جـدلا فلسفيا الا من حيث انه قد يساعد على الايمـان ولكنـنـا لا نصـل الى النــور مـن خلال الفلسفـة . المسيحيــة ليسـت ايـديـولوجيــة تصارع ايـديـولــوجـيـات . انها حب لـلـه وذوق لـه وطاعة ، نحـن المسيحـيين لاهـوتيون جميعا لا بمعـنـى اننـا حمـلـة شهـادات من معـاهـد لاهــوت بل مـن حيـث اننـا نتحـدث عن الـلـه من خبرتنـا لـه بالرياضات الروحيـة ومحـبتنـا للـقريـب ومراقبـة حركـة الفكر وحركة الحواس .نحن لا نسلّـط ذهنـا مجردا على الأفكـار التي تُفـرض علينا ولكننا نسلّـط النـور الإلهي فنحكـم في كل شـيء ولا يحكـم فينـا احد .
هذا هو معنى الأحد الثاني من الصوم
صلاة :
يا كوكب الرأي المستقيم وسند الكنيسة ومعلمها ، يا جمال المتوحدين ونصيراً لا يُحارب للمتكلمين باللاهوت ، غريغوريوس العجائبي ، فخر تيسالونيكية وكاروز النعمة ابتهل على الدوام في خلاص نفوسنا
إننا نمدحك بأصوات متفقة يا غريغوريوس المتكلم بالإلهيات يا بوقاً بهياً للتكلم باللاهوت وآلة شريفة إلهية للحكمة ، فبما أنك ماثل لدى العقل الأول بمثابة عقل ، أرشد عقلنا إليه أيها الأب لكي نصرخ هاتفين السلام عليك يا كاروز النعمة
http://www.safitaclub.com/vb/safita5129.html