الاول من شهر كانون الثاني
"وقال الله لإبراهيم: وأما أنت فتحفظ عهدي، أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم. هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك. يُختن منكم كل ذكر فتُختتنون في لحم غرلتكم فيكون علامة عهد بيني وبينك. ابن ثمانية أيام يُختن منكم كل ذكر في أجيالكم. وليد البيت والمبتاع بفضّة... فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً. وأما الذكر الأغلف الذي لا يُختن في لحم غرلته فتُقطع تلك النفس من شعبها. أنه قد نكث عهدي" (تكوين9:17-14(.
هذا كان، كتابياً، أصل الختانة ومرماها عند اليهود. فرضها الرب الإله على شعبه لتكون علامة في اللحم لانتمائهم إليه، وكذلك سمة للعهد المقطوع بين الله، من جهة، وإبراهيم ونسله من بعده، من
جهة أخرى. ولعلها، قبل ذلك، كانت نوعاً من التطهير لدواعي الصحّة. وقد أهملها العبرانيون في أكثر من فترة زمنية من تاريخهم ثم عادوا إليها إلى أن صاروا يُعرفون "بأهل الختان" في مقابل الأمميين الذي أسموهم "أهل الغرلة".
وقد كان من المفترض أن يُختن الذكر المولود حديثاً في اليوم الثامن لمولده. في ذلك اليوم، أقلّه في زمن متأخر، كان يُحتفل بتسمية المولود الجديد (راجع لوقا21:2). ولكن، لم تكن الختانة قصراً على الصغار بل كانت للكبار أيضاً. وفي زمن موسى النبي قُضي بأن لا يأكل الفصح إلا المختونون. والختانة كان يقوم بها، في الأصل، ربّ البيت أو أحد العبرانيين وأحياناً الأم، ثم أخذت وضعاً مؤسّساتياً فصار يقوم بها رجل يُعرف بـ "سيّد العهد".
في زمن الرب يسوع، كانت عادة الختانة راسخة. وقد قبل السيّد، له المجد، ختانة بشرية لأنه ارتضى، من أجلنا، أن يقيم تحت الشريعة. كتبنا الليتورجية تتحدث عن كونه فعل ذلك لينقذنا من "لعنة الشريعة" (الاينوس). وقد فصّل بولس الرسول الكلام على ذلك فذكر أن اللعنة هي على من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الشريعة ليعمل به. ليس أن الشريعة لعنة ولكن، بها، أي بالشريعة، معرفة الخطيئة، وإذ لا طاقة لإنسان على إتمام الشريعة كاملة فإن الجميع صاروا تحت اللعنة (راجع غلاطية3). الرب يسوع، على ما بيّن الرسول المصطفى، "افتدانا من لعنة الشريعة إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علّق على خشبة".
على أن اقتبال السيد لختانة اللحم أبطلها. فالختانة كانت إليه. كانت علامة ظلّية للانتماء إليه. فلما اتخذها وضع لها حدّاً. لذا نردّد "أن الختانة قد بطلت مذ اختتن المسيح باختياره" (السحر - الأودية الأولى(.
ارتبطت الختانة بالشريعة. فلما أكمل الرب يسوع الشريعة في جسده تخطّاها ليجعلنا لا تحت الشريعة بعد بل تحت النعمة. والانتماء إلى النعمة استوجب علامة من نوع آخر، ختانة جديدة، بمعنى من المعاني. المعمودية صارت البديل. لذا تحدّث الرسول بولس، في إطار الانتماء الجديد، عن الختانة غير المصنوعة بيد، بخلع جسم خطايا البشرية بختانة المسيح، "مدفونين معه في المعمودية..." (كولوسي12:2). ولكن إذا كانت الختانة القديمة قد اهتمت بقطع اللحم، فالختانة الجديدة، أي المعمودية، تهتم بنبذ الخطيئة، أو بكلام أشمل، كما ورد أعلاه، بخلع جسم خطايا البشرية.
وقد حاول بعض المؤمنين بالمسيح من اليهود التمسّك بختانة الجسد معتبرين إيّاها ضرورية للخلاص، فتصدّى لهم الرسول المصطفى بولس قائلاً: "إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئاً" (غلاطية2:5(.
هذا وأن نقاط الدم القليلة التي بذلها المسيح يسوع طفلاً في الختانة كانت مقدّمة لبذل دمه كاملاً عن البشرية جمعاء على الصليب. وإذ كانت ختانته في اليوم الثامن أعلن لنا، في ذاته، زماناً جديداً يتخطى هذا الزمان! زمان الملكوت. آباؤنا، وكذلك نصوصنا الليتورجية، يشيرون إلى اليوم الثامن هذا باعتباره "رسماً للدهر الآتي" (صلاة السحر - الأودية الأولى (. زمان هذا الدهر ممثّل بيوم السبت، أي باليوم السابع، أما اليوم الثامن فلا ينتمي إلى هذا الزمان. لذا اتخذه آباؤنا علامة للدهر الآتي. هو الثامن لأنه يتخطى زماننا المحصور في سبعة أيام، وهو الأول لأنه بداية الزمن الجديد.
ثم أن الرب يسوع اتخذ اسمه في هذا اليوم، الاسم الذي قال بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبي أن الآب السماوي أعطاه إياه "اسماً فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (9:2-11). يسوع معناه المخلص، وهو علامة أو قل إيقونة كلامية لحضور الله معنا وفيما بيننا. لهذا السبب لم ولن تكف الألسنة والأفئدة عن ترداد الاسم المبارك لأنه استدعاء له وعيش فيه إلى أن يجيء في ملء حضوره في مجيئه الثاني. إنه الآتي إلينا أبداً. "أيها الرب يسوع المسيح تعالَ!". لذا نحسب اليوم أيضاً عيد اسم الرب يسوع له المجد.
طروبارية باللحن الأول
أيها الرب الجزيل التحنن، أنك وأنتَ إله بحسب الجوهر قد أتخذت صورةً بشرية بغير استحالة، وإذ أتممت الشريعة تقبَّلت باختيارك ختانةً جسدية، لكي تنسخ الرسوم الظلّية وتزيل قناع أهوائنا. فالمجد لصلاحك، المجد لتحننك، المجد لتنازلك الذي لا يوصف أيها الكلمة.
ايها الجالس في الاعالي على منبر ناري مع أبيك الذي لا بداءة له وروحك الإلهي لقد سررت يا يسوع ان تولد على الارض من فتاة لم تعرف رجلآ وذلك قد قبلت ختانة بشرية في اليم الثامن فالمجد لرأيك الكلي الصلاح المجد لتدبيرك المجد لتنازلك يا محب البشر وحدك.