للقديس يوحنا الذهبي الفم رئيس أساقفة القسطنطينية
"حينئذٍ أتى يسوع من الجليل إلى الأردن، إلى يوحنا، ليعتمد منه، فكان يوحنا يمانعه قائلاً: أنا المحتاج أنا أعتمدّ منك وأنت تأتي إليّ"(متى 13:3-14).
لقد جاء الرب يا إخوتي، يعتمد مع العبيد والقاضي مع المجرمين. غير أنَّ إتَّضاع الله هذا لا يجوز أن يُشغل بالكم، لأنه تعالى في تنازله العظيم يُظهرُ مجده العظيم. أتتعجبون من أن الذي شاء أن يمكث إشهراً في أحشاء العذراء، وأن يخرج منها لآبساً طبيعتنا، والذي شاء فيما بعد أن يحتمّل اللَّطم وعذاب الصليب وغيره مما تحمل حباً لنا، أن يشاء أيضاً تقبُّّل العماد، والإتضاع أمام عبده مختلطاً مع جمهور الخطأة؟ أما ما يجب أن يذهلنا فهو أن يكون الله قد تنازل وصار إنساناً، لأنه بعد هذا التنازل الأول لم يعد الباقي سوى نتيجة طبيعية. وهكذا لكي يبيّن لنا يوحنا المعمدان مقدار أتضاع إبن الله، كما سبق وقال: أنه لا يستحق أن يحل سير حذائه، وأنه الديّان العادل الذي يُحاسب كلاً بحسب أعماله، وأن يفيض نِعَم الروح القدس على كل الناس، حتى إذا رأيتموه أتياً على العماد لا ترون مهانة في هذا الإتضاع. وهذا عندما شاهده يوحنا المعمدان أمامه، أخذ يمانعه قائلاً: "أنا المحتاج إلى أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ". وبما أن عماد السيد المسيح كان عماد التوبة، وكان يقضي على المعتمدين أن يعترفوا بخطاياهم، فلكي يستدرك يوحنا المعمدان ويبيّن لليهود أن السيد المسيد لم يأتِ إلى عماده على هذه النية دعاه أمام الشعب: "حمل الله" والمخلض الذي يمحو كل خطايا الجنس البشري، يقتضي بأول حجة أن يكون هو نفسه بريئاً من الخطأ. وبما أننا قد حُسبنا جديرين بتلك الأسرار العظيمة، فلنعش حياه أهلاً لها، حياة الكمال في المسيح يسوع ربنا الذي له المجد والعزّة مع الآب والروح الآن وكل أوآن وإلى دهر الداهرين. آمين.