Tuesday, October 27, 2009



:عظمة الكهنوت وصعوباته
بقلم الأب د. يوأنس لحظي جيد موقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي - زنت


الكاهن هو ذاك النجم الَّذي ينظر إليه كلُّ الناس، البعض بنظرة ملؤها الحب والتقدير، والبعض الأخر بنظرة ملؤها النقد والعتاب. البعض يرى فيه التجلي الإلهي،

:والبعض الأخر لا يرى سوى نقائصه وعيوبه، إذاً الكاهن، دائماً أبدا، موضوعٌ تحت المجهر، فهو

•إذا كان عارف بالألحان الكنسية وبالحركات الطقسية، قالوا عنه: "إنه تقليدي"، وإذا اختصر اتهموه بالتفرنج.

•إذا تكلم خمس دقائق زيادة عن المعتاد قالوا عنه: "إنه كثير الكلام"، وإذا كان قليل الكلام اتهموه بأن الله لم يهبه موهبة الكلام.

•إذا أكل عند أحد العائلات قالوا عنه: "إنه أكول"، وإذا لم يأكل اتهموه بالكبرياء والتعالي.

•إذا تكلم عن تبرعات، من أجل الكنيسة أو الفقراء… قالوا عنه: "إنه مادي"، وإذا لم يتكلم اتهموه بأنه لا يهتم بالكنيسة أو بالفقراء…

•إذا اهتم بفئة أو بشخص أو بجماعة محتاجة قالوا عنه: "إنه يميز بين الناس"، وإذا أهتم بالجميع، وعامل الجميع بطريقة واحدة اتهموه بالسطحيّة.

•إذا كان قريباً من رؤسائه محبوباً منهم قالوا عنه: "إنه وصولي"، وإذا كان بعيداً عن بؤرة القيادة اتهموه بالجفاء.

•إذا عاتب خاطئ قالوا عنه: "إنه قاسي"، وإذا لم يعاتب اتهموه بالتساهليّة.

•إذا خاطب الناس بلغة العقل قالوا عنه: "إنه متحذلق"، إذا قال المعتاد اتهموه بالتحجر.

•إذا أخذ موقف ثابت قالوا عنه: "إنه متطرف"، وإذا اتبع منهج الحياد اتهموه بالفتور.

•إذا صلى كثيراً قالوا عنه: "إنه يحيا في كوكب أخر"، وإذا عمِل أعمالاً كثيرة اتهموه بعدم الروحانيّة.

•إذا وزع المسؤوليات والخدمات قالوا عنه: "إنه كسلان"، وإذا اهتم بكل شيء اتهموه بالانفراديّة.

•إذا نجح أحد الكهنة قالوا عنه: "إن هذا الكاهن ناجح"، وإذا أخطئ كاهن اتهموه كلّ الكهنة بالفساد.

•إذا كان صاحب ابتسامة وبشاشة قالوا عنه: "إنه غير جاد"، وإذا اتخذ الجديّة منهجاً اتهموه بالجفاء.

وكل هذا يؤكد مقدار ما للكاهن من أهمية وكرامة، ومقدار ما عليه من مسؤولية. ويوضح في ذات الوقت لنا:

1. أن كهنوت الكاهن هو امتداد لكهنوت المسيح؛ لأنه، كما قال المسيح ذاته، "ليس التلميذ أفضل من المعلم ولا العبد أفضل من سيده"(متى 10 : 24)، وقال أيضاً:" لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون باليابس"(لوقا 23 : 31). فإن كان المسيح وهو الكاهن الأعظم قيل عنه: "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فيقولون هوذا إنسان أكول و شريب خمر محب للعشارين و الخطاة"(متى 11 : 19)، فكيف لا يكون الشيء ذاته لمن يختار المسيح قائداً.

2. أن من يبحث عن إرضاء الناس يحيا حياة ملؤها الشقاء والشعور بالألم، لأنه لا يستطيع إنسان مهما وهبه الله من مواهب وخصال أن يرضى جميع الناس. وفوق كلّ ذلك يجب الإيمان بأن القاعدة الَّتي يجب أن يتخذها الكاهن هي: "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس"(أعمال الرسل 5 : 29).

3. أن الكاهن مسئول بحياته قبل كلماته عن كلّ الجسد الكهنوتي، بمعنى أن الكاهن الَّذي يتقدس يقدس كلّ الجسد وكل الكنيسة، والذي يخطئ يكون سبباً في إلام كلّ الجسد.

4. أن الكاهن بدون معونة الله سرعان ما سيتسرب اليأس إلى قلبه، وسرعان ما سيقول: "زمرنا لكم فلم ترقصوا نحنا لكم فلم تبكوا"(لوقا 7 : 32)، وبالتالي "لا فائدة". واليأس هو تلك الخطيئة الموجهة للروح القدس، أي تلك الخطيئة الَّتي لا تغفر لأن مَنْ ييأس هو إنسان لا رجاء له ولا أيمان ولا فائدة منه.

5. أن الكهنوت مرتبط في أذهان الناس بالله، لدرجة أن الناس إذا أحبوا الكاهن أحبوا الله، وأحبوا الكنيسة، ومارسوا إيمانهم، وإذا كرهوا الكاهن كرهوا الله والكنيسة وكفوا عن الصلاة.

6. أخيراً أن الكاهن محتاج إلى ضمير مستقيم، ضمير يستطيع ألَّا يفقد الرؤية عندما يتلبد الجو بالغيوم، ضمير يستطيع أن يرى الحقيقة، عندما ينغمس الجميع في الباطل، ضمير مثل النور في أوقات الظلام، ضمير مثل الصديق عند الإحساس بالوحدة، ضمير قوي كالقائد وديع كالأم، ضمير يسكنه حب الله، وحب الأخر، لأن كاهن بلا حب هو كاهن بلا الله، وأخيراً ضمير يستطيع أن يقول:"له ينبغي أن يزيد، ولي ينبغي أن أنقص". وضمير كهذا لا يُمكننا الحصول عليه بالتمني وإنما بالعمل الدءوب وبالصلاة الحارة وبالانفتاح على نعمة الله، وبالثقة في من قال "سيكون لكم ضيق في العالم، ولكن ثقوا فإني قد غلبت العالم".